الف ـ تعني تبع ولحق ، أي أنَّ الشيطان جعل العالم تبعاً له.
باء ـ أنَّ الفعل استخدم هنا بمعناه لو كان ثلاثياً مجرداً بحيث يكون المعنى أنّ الشيطان اتّبع هذا العالم ، بعبارة اخرى : أنّه سبق الشيطان في الضلالة ، وتجاوزه مهارة في هذا المجال. مثله مثل ذلك الشخص الذي كان يفعل عملاً قبيحاً جداً بطريقة جديدة وكان يلعن الشيطان دائماً على فعله هذا ، فظهر له الشيطان وقال : اللعن عليك لا عليَّ ، لأني رغم مهارتي في الشيطنة ما كنت أعلم بهذه الطريقة ، بل انت الذي علمتني إياها.
وعلى هذا ، فالآية تعني أنّ بلعم بن باعورا خُلِّي من آيات الله ، وانسلخت هذه الآيات عنه رغم أنَّه كان يحيط بها جميعاً ، لكنها انسلخت واتّبع الشيطان ، أو أنَّ الشيطان اتّبعه ، وكانت عاقبته الشر والشقاء فكان في عداد الاشقياء والضالين.
(وَلَو شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أخْلَدَ إلَى الأرْضِ واتّبَعَ هَوَاهُ) أي أنا لو أردنا إجباره على البقاء على الحق لفعلنا لكنّا تركناه لنرى ما يفعل باختياره وإرادته ، وذلك لأنَّ في الإسلام الاختيار لا الاجبار ، (إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إمَّا شَاكِرًاً وإمَّا كَفُورَاً) (١) فالله يستطيع أن يجعل جميع الاعمال من قبيل الحج والصوم والصلاة جزءاً من غرائز الإنسان ، كما جعل الأكل والشرب ، لكنّه لم يفعل ذلك ، بل خلق الإنسان حراً ومختاراً ليكون هناك هداية وتكامل وتقدّم واختبار وثواب وعقاب و... ولكي لا تفقد هذه المفاهيم معانيها.
وفي النهاية يكون معنى الآية هو : أنّا تركنا بلعم بن باعورا إلى نفسه ، إلّا أنَّ هذا العالم المنحرف ـ الذي سبق وأن كان مبلغاً قوياً لموسى عليهالسلام ـ تبع الهوى والهوس حباً للدنيا وحسداً من موسى عليهالسلام وانجذاباً بوعود فرعون ، وكان عاقبته الطرد من الساحة الربانية. وعلى هذا ، فإنَّ شيئين كانا سبباً لسقوط بلعم بن باعورا هما : أوّلاً : حبّ الدنيا والميل إلى فرعون. وثانياً : الهوى واتباع الشيطان.
(فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إنْ تَحْمِل عَلَيْهِ يَلْهَثْ أوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) ، إنَّ الكلاب عادة ذات منفعة متعارفة يفيد منها الإنسان ولذلك يصح اجراء معاملة عليها في الفقه الإسلامي ، إلّا أنَّ بعض
__________________
(١) الإنسان : ٣.