(وَمَا دُعَاءُ الكَافِرينَ إلّا فِي ضَلَالٍ)
إنَّ سبب كون دعاء الكافرين في ضلال هو أنَّهم يسألون من لا يقدر حتى على الدفاع عن نفسه ، ولا يستطيع كسب منفعةٍ لنفسه فضلاً عن نفعه الآخرين.
(والّذِيْنَ يَدْعُونَ مِنْ دُوْنِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيءٍ إلّا كَبَاسِطِ كَفّيْهِ إلى الماءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ) إنّ شاهد حديثنا في المثل العشرين هو هذا الجزء من الآية.
إن الذين يدعون غير الله ويقصدون معابد الاصنام ويتوسلون بها لأجل حلّ مشاكلهم ، فمشاكلهم سوف لا تُحل. ومثل إنسان كهذا مثل الذي يبسط يده ويمدها ليأخذ الماء ويشرب ، وهو لا يستطيع من خلال هذا العمل شرب الماء أبداً.
اختلف المفسرون في تفسير (كَبَاسِطِ كَفّيْهِ إلى المَآءِ ...) نشير إلى أقوالهم هنا :
١ ـ المراد منها هو شخص عطشان يريد إرواء عطشه فيقصد بئراً ليس فيه حبل ولا دلو ، وعمق البئر كثير جداً ، فيبسط هذا الشخص يديه في البئر ، لكن يديه لا تمتدان إلى أكثر من مترٍ واحدٍ. ولا شك أنَّ شخصاً مثل هذا سوف لا يبلغ هدفه ولا يروي عطشه.
٢ ـ مراد الآية هو الشخص الذي يقف بجنب البئر ويشير للماء لكي يصعد ويشرب منه.
ومن الواضح أن الماء هنا لا يُنال بالاشارة إليه ، بل هناك حاجة واقعية لوسيلة ترفعه.
نعم ، دعاء الكافرين عند معبد الأصنام ضلال ، وحالهم حال إنسان كهذا.
٣ ـ إنَّ (باسط) تعني الذي يفتح يديه ولا يحنيهما بحيث يتمكن الاغتراف بهما. فإنَّ هذا الشخص يذهب إلى جنب الماء ويغترف منه بيديه حال كونه فاتح يديه وباسطهما ، وهو أمر لا يوفّر له الماء فيضطر للابتعاد عن مصدر الماء ، وهو عطشان.
نرى أنَّ التفسير الأوّل هو أنسب الثلاثة ، رغم إمكانية القول بأنّ الثلاثة صحيحة وكلها تبيّن مراداً واحداً ؛ وذلك لانَّا نعتقد بامكانية استعمال لفظ واحد في أكثر من معنى واحد. (١)
وعلى ما تقدم علينا ـ لأجل حل المشاكل ـ أن لا نطرق غير باب الله ، بل نقصد بابه منذ البداية ، فهو الخالق والرازق والمحيي والمميت وهو حلّال المشاكل وكل شيء بيده. اما غيره فلا
__________________
(١) إنّ هذه قضية اصولية طرحت في كتب الأصول ، وللمزيد راجع انوار الاصول ١ : ١٤٥.