من الإنصاف أن نقول : إنَّ رعاية الحلال والحرام له دور مهم في حياة الإنسان ، وأنَّ الناس إذا اهتموا بهذا الجانب من حياتهم لما تكدست الاضبارات والشكاوى في المحاكم.
إذا راعى الناس الحلال والحرام ما كان مجتمعنا يضمُّ هذا المقدار من الفقراء.
أسفاً أنّ البعض غافل عن هذا ويبرّر عمله بشكل أو آخر ويقول : أين الحلال والحرام؟ لا وجود للحلال لكي نراه.
يقول أحد هؤلاء الذين يتمسكون بتبريرات هي هراء في الواقع : (إنَّ الحلال الوحيد في الدنيا هو ماء المطر ويمكنك الاستفادة منه في وسط النهر فقط لأنه مكان نطمئن بعدم غصبه ، فعند هطول الامطار قف هناك وافتح فمك لتناول القطرات ، وهذا هو المقدار الوحيد المسلّم بحليته).
إن أُناساً مثل هذا يخادعون أنفسهم (يُخَادِعُونَ اللهَ وَالّذينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلّا أنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (١)
وبعبارة اخرى : أنَّهم يغالطون أنفسهم ؛ وذلك لأنَّ حديثنا في الحلال والحرام الظاهريين ، وهم يتحدثون عن الحلال والحرام الواقعيين ، مع أنَّا مأمورون بالعمل حسب الظاهر لا الواقع.
ألم يهيء أئمتنا مأكولاتهم ومشروباتهم من سوق المسلمين هذا ، وهم في الوقت ذاته يلتزمون بالظواهر ولا يحتاطون إلّا في الاماكن المناسبة. مثلاً كانوا يفيدون من الخبز واللحم اللذين لم تدفع زكاتهما؟
ومن المناسب لنا كذلك أن نعدّ مقدار استهلاكنا السنوي للخبز واللحم وندفع زكاته ؛ لأنّ الكثير من المزارعين والرعاة لا يدفعون زكوات أموالهم ونحن نفيد من محصولاتهم ومنتجاتهم ، وهذا مؤسف حقاً ؛ لأنه ابتلاء لنا.
رغم أننا معذورون بسبب عدم العلم إلّا أنَّ عدم الدفع سوف يترك أثره الوضعي. ولذلك كان عده ودفع زكاته أمراً مستحسناً ويسبب الطهارة القلبية والنزاهة الروحية.
النتيجة هي أنَّ الأكل الحلال لا يؤثر في الدعاء فحسب ، بل في جميع عبادات الإنسان من
__________________
(١) سورة البقرة : ٩.