عند ما ينظر إلى ذاته وحواليه يرى نفسه غارقة بالنعم العديدة من العين والاذن واليد والرجل والفكر والسماء والأرض والشمس والهواء والاشجار والغابات وأمثال ذلك ، ولهذا يحكم وجدانه بضرورة شكر المنعم وتقديره.
هل يمكن شكر المنعم دون معرفته؟ من هنا كان الشكر سبباً لمعرفة الله.
وعليه ، شكر المنعم هو من دوافع عبادة خالق المخلوقات.
قد يكون المعبود خالياً من التأثير على حياة الإنسان ، لا أنه لا فائدة فيه ، ولا يزوّد عابديه بأي خير ، بل إنّه لا يستطيع الدفاع حتى عن نفسه ، وهو بحاجةٍ إلى حماية الاخرين. وإنّ موجوداً كهذا ليس أهلاً للعبادة ، ولا شك أنّ عقل الإنسان يرفض هذا النوع من العبادة.
بالطبع ، إنَّ عبدة الأصنام لا يعدون أصنامهم هي خالقة المخلوقات ، بل حسب ما ورد في القرآن : لو سألناهم مَن خلق السماوات والأرض لأجابوا : الله هو الذي خلقها (١) لا أصنامهم العاجزة. وهذا يكشف عن أنَّهم لم يكونوا مشركين في الخلق ، كما أنَّهم كانوا يعدّون الله الرازق الوحيد. (٢)
غاية الأمر أنَّهم كانوا يعتقدون أنَّ الاصنام تبتُّ بحل المشاكل بشكل مباشر ومستقل أو كشفعاء عند الله ، لذلك جاءت الآية ٣ من سورة الزمر لتقول : (ألا للهِ الدّينُ الخَالِصُ والّذِين اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أوْلِيَاءَ ما نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إلَى اللهِ زُلْفَى)
لا شك أنَّ كلام المشركين باطل وواضح عدم صحته ، كيف يمكن لأصنام أن تحلّ مشاكل الآخرين رغم أنّها عاجزة عن حلّ مشاكلها ذاتاً.
وفقاً لما جاء في النص القرآني ، فإنَّ إبراهيم عليهالسلام عند ما حطّم الأصنام (في تلك القصة المعروفة والجميلة) قال : (أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُوْنِ اللهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُم أُفٍّ لَكُم وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُوْنِ اللهِ أَفَلَا تَعْقلُونَ) (٣)
__________________
(١) جاء هذا المضمون في آيات عديدة ، منها : الآية ١٦ من سورة العنكبوت والآية ٢٥ من سورة لقمان والآية ٣٨ من سورة الزمر والآية ٩ و ٨٧ من سورة الزخرف.
(٢) إنّ الآية ٢٤ من سورة سبأ من جملة الآيات التي تدل على هذا المعنى.
(٣) الأنبياء : ٦٦ ـ ٦٧.