كان غزله رفيعاً ودقيقاً تبدل إلى خيوط تصلح لصناعة الاقمشة والسجاد ، وإذا كان سميكاً تبدل إلى حبال وأمكن صناعة خيام صحراوية منه.
إنَّ المجتمع المتشتت والمتفرق كالصوف غير المفتول لا يصلح لشيء ، أما إذا اتحد وتلاحم ، فانّ ذلك سيكون منشأ لخيرات وبركات كثيرة.
٢ ـ إنَّ الصوف في الحالات الاعتيادية ضعيف وهش ويذهب به الريح حتّى لو كان نسيماً ، ولا قدرة له على المقاومة ، رغم ذلك فإنَّه لو افتل وغُزل باستحكام فقد نتمكن حمل أثقل السلع بواسطته ، بل قد يتحكمون ويسيطرون على السفن الكبيرة من خلال ربط خطاف السفينة به.
٣ ـ إنّ السبب الوحيد لاستحكام هذا الصوف هو اتحاد وتلاحم فتائله. نعم ؛ إنَّ اتحاد هذه الفتائل والتنسيق والتعاضد فيما بينها وترك الاختلاف والتشتت هو منشأ لخيرات كثيرة. وهذا يعلّم الإنسان أن في ذاته قابليات كثيرة تكمن وتوجد فيه بالقوة ، وهي قابليات إذا فتلت واستحكم غزلها فستثمر محاصيل جديدة اخرى مثل الارادة ووحدة الكلمة والايمان والتوكّل على الله.
من هنا خاطب القرآن المسلمين بأنهم فُتلوا بالايمان ، وعلى العاقل أن لا يفتح فتائل الايمان هذه.
لقد ورد في خطبة زينب (عليهاالسلام) عند ما وصلت بوابة الكوفة وخاطبت الناس هناك : «إنّما مثلكم كمثل الّتي نقضت غزلها من بعد قوّة ...». (١) والواقع كذلك حيث بايعوا علياً في عهده وبايعوا سفير الحسين مسلم بن عقيل بعد ذلك. وهذا أمر أحكم غزلهم لكنهم نقضوا هذا الغزل إثر وعد ووعيد وتهديدات. وبذلك يثبت أنّ دعوتهم للإمام الحسين عليهالسلام وإعلانهم عن الوفاء له لم تكن إلّا خدعة ، وهم الآن يبكون ويقيمون المآتم عليه!
إنَّ الذي له باع في الأدب العربي وطالع خطبة زينب (عليهاالسلام) يدرك قيمة هذه الخطبة. ونحن نعتقد أنَّ زينب (عليهاالسلام) بعملها هذا هزت عرش حكومة الشام ، وكانت المقدمة لسقوط بني أمُيَّة والثورات والحركات التي حصلت بعد ذلك الحين.
__________________
(١) نقلاً عن كتاب (الإمام الحسن والحسين) للعلامة السيد محسن الأمين العاملي : ٢٥٦.