زالت هذه النظرة تحكم عالمنا اليوم ، ولا تنتظم الحياة الدنيا ما دامت هذه القيم الكاذبة تحكم مجتمعاتنا.
عند ما بُعث الرسول صلىاللهعليهوآله وأنبأ عن دينه الجديد قال بعض مشركي مكة : تعالوا اسمعوا خبراً جديداً ، إنَّ يتيماً فقيراً لا يملك مالاً يدَّعي النبوّة ويبلّغ لرسالة جديدة من الله ، وهل هذا ممكن؟ ولو أراد الله أن يبعث لنا رسولاً فلما ذا لم يبعث واحداً من أثرياء مكة أو الطائف؟
(وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (١).
سبب تفوّه المشركين بهذا الكلام هو أنهم كانوا يصنّفون المال والثروة في أعلى مرتبة للقيم ، وقد سبقهم في ذلك فرعون ، فعند ما دعاه موسى عليهالسلام إلى الدين الالهي نظر إلى ظاهره وقال ضاحكاً : وهل يمكن لراعٍ أن يكون نبياً؟ أنا لا أستسلم لراعٍ مع ما أملك من ثروة وسلطة.
نعم ، كانت السلطة والثروة تشكّل أعلى مراتب القيم عند هؤلاء الناس ، وكانت بعثة الرُسُل لغرض تحطيم هكذا قيم سقيمة.
في آيات كثيرة من القرآن المجيد عدَّ الله القيم الدنيوية كالمال والبنون لعباً ولهواً (٢) ، كما اعتبر القيمة الحقيقية تتمثّل في التقوى (٣).
من هنا قال الله في الآية ٣٣ من سورة الزخرف :
(وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ امَّةً وَاحِدَةً لجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بالرَّحْمنِ لِبيُوتِهِم سُقُفاً مِنْ فِضَّةِ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرونَ)
وفي الآية ٥٣ من نفس السورة يتحدَّث فرعون عن نبوّة موسى عليهالسلام ويقول لمن حواليه وللمصريين : (فَلَوْلَا القِيَ عَلَيْهِ أسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ المَلائِكَة مُقْتَرِنِينَ) ويريد بذلك أنَّ على الرسول أن يكون ثرياً.
بُعث الأنبياء لإبطال هذه التوهّمات وتحطيم هذه القيم الكاذبة ، وآية المثل الكريمة تدخل
__________________
(١) الزخرف : ٣١.
(٢) جاء هذا المضمون في آيات عديدة من قبيل : الآية ٣٢ من سورة الأنعام ، والآية ٦٤ من سورة العنكبوت ، والآية ٣٦ من سورة محمّد.
(٣) الحجرات : ١٣.