يرى بعض آخر من المفسرين أنَّ الرجلين كانا صديقين ولا نسبة بينهما (١).
مضمون الآيات يفيد أنَّ النظرية الثانية هي الصحيحة ، أي أن المراد من رجلين هو صديقان لا أخوان.
المطلب الآخر الذي يمكن استفادته من الآيات هو أن الآيات ليس بياناً محضاً لمثلٍ كما ظن البعض ذلك ، بل هي بيان لقصة حقيقية حصلت في الأزمان الماضية بيَّنها الله في صيغة مثل.
(جَعَلْنا لأحَدِهمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنهُما زَرْعَاً كِلْتا الجَنَّتَينِ آتَتْ اكُلَهَا وَلَمْ تَظلِمْ مِنْهُ شَيئاً وَفجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ)
المستفاد من عبارة (وَفَجَّرْنَا خِلالَهُما نَهَراً) أن البُستان كان يُسقى من الخارج ، ثم اكتفى ذاتياً من حيث السقي بعد ما فُجرِّ النهر في داخل ارضه.
(فَقَالَ لِصَاحِبِه وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً)
عند ما ينال ضيّقو الصدر والمغرورون شيئاً من مال الدنيا ويبلغون مستوى فيها يبدون وكأنَّ الزمان والمكان يدين لهم ، فبعضهم عند ما يبلغ شأناً في المجتمع ينسى صديقه الذي كان إلى جنبه مدَّة سنوات ، وعند ما يلتقيه يتصرَّف وكأنَّه لم يلتقِ به من قبل. إن صاحب البستان الثري الذي تحدَّثت عنه الآية كان من هذا القبيل ، فقد اغترَّ بنفسه عند ما شاهد بستانه والنهر الذي يجري فيه وما انتج من ثمار ، فكان يتفاخر بما حصل وينظر إلى صديقه القديم والفقير نظرة تحقير ويقول : أنا أكثر منك مالاً وأعزُّ نفراً من العمال والمزارعين والحشم والخدم.
(وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لَنْفسِهِ قَالَ مَا أظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أبَداً) أي أنه ما كان يظن أن بستانه سيفنى يوماً ما بل سيبقى دون أن يزول بآفة أو ما شابه.
عبارة (وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ) تشير إلى أن كل ظالم يبدأ بظلم نفسه في البداية ثم ظلم الآخرين ، كما هو حال المحسنين حيث يفيدون أنفسهم بأعمالهم الصالحة ثمّ يفيد الآخرون بها.
على أي حال ، نسى هذا المغرور ذكر الله الذي خلق له هذه الجنَّة والذي يمكنه أن يفنيها في كل لحظة بحيث لا يبقى لها أثر مذكور.
__________________
(١) أشار الطبرسي قدسسره في مجمع البيان ٦ : ٤٦٨ ، إلى كلا النظريتين.