نقول في الجواب : للقرآن منطقاً خاصاً فينُظر إلى كل شيء في معجم القرآن من حيث الاثار التي تترتب عليه ، ووجود الشيء وعدمه يتوقف على وجود آثاره وعدمها.
وعلى هذا ؛ فالذين يتمتعون بنعمة النظر لكنهم لم يستخدموه لمشاهدة آيات الله والاعتبار من مناظر الدنيا هم في الحقيقة عمي حسب رؤية القرآن. واولئك الذين يتمتعون بنعمة السمع لكنهم لا يصغون لكلام الله ولا صوت المظلومين والمستضعفين فهم صم في منطق القرآن.
واولئك الذين يتمتعون بنعمة اللسان لكنهم لا يشغلونه في ذكر الله والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وارشاد الجاهل و.. فهم بكم في معجم القرآن. ووفقاً لهذا المعجم في مقياس اوسع اعتبر بعض الاحياء من الناس أمواتاً ، وبعض الاموات احياءً ، كمثال على ذلك يصف القرآن شهداء طريق الحق بأنهم احياء رغم انهم اموات ظاهراً.
(وَلَا تَحْسَبَنَّ الّذين قُتِلُوا فِي سَبِيْلِ اللهِ أمْوَاتاً بَلْ أحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (١)
إنَّ الشهداء من وجهة نظر القرآن احياء ؛ وذلك لانهم يحضون بالتأثير الذي يحضى به الإنسان الحي ، فانهم يقوّون الإسلام وذكرهم يداعي في الاذهان المعروف والحسنات.
ويقول القرآن في مكان آخر : (إنْ هُوَ إلّا ذِكْرٌ وقُرْآنٌ مُبِينٌ ليُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ القَولُ على الكَافِرِينَ) (٢)
إنّ الأحياء من وجهة نظر القرآن المجيد وفق هذه الاية هم طائفتان : الاولى : المؤمنون الذين يعيشون حياة قرآنية. الثانية : غير المؤمنين وهم اموات يعيشون بين الأحياء ، فإنّ الذين يفقدون الأذن الصاغية أموات حسب رأي القرآن.
وفي النتيجة إنّ المنافقين رغم ما يحضون به من اذن وعين ولسان ، يفقدون الآثار الوجودية المترتبة على هذه الحواس. لذلك عُدّوا صمّاً وبُكماً وعُمياً من وجهة نظر القرآن ، فهم إذن (لا يْرجِعُونَ) أي لا يرجعون عن طريق الباطل ؛ وذلك لأنهم يفقدون آليات المعرفة ؛ شأنهم شأن الذي تجتمع فيه صفات الصم والبكم والعمي وقد أخذ بالسقوط ، فإنّا لا يمكننا انقاذه أبداً ؛
__________________
(١) آل عمران : ١٦٩.
(٢) يس : ٦٩ و ٧٠.