إن هذه الهداية الالهية شملت سلمان الفارسي الذي طوى مسافات شاسعة بين ايران والمدينة وتحمَّل المشاق والمتاعب الكثيرة لأجل لقاء الرسول وقبول دينه ، وقد كان من أوائل المسلمين الذين لبّوا دعوة الرسول وبقى على عقيدته وصمد وقاوم ودافع عنها حتى آخر لحظات عمره الشريف.
ولم تشمل هذه الهداية أمثال أبي لهب وأبي سفيان ؛ لأنهما كانا إلى جنب الرسول وكانا يرانه كل يوم ويسمعان حديثه وآيات الله ، ولم يزدهما ذلك إلَّا عصياناً ولجاجاً ومقاومة لهذا الدين.
من الواضح أن شمول أو عدم شمول الهداية لم يكونا اعتباطاً بل كانا عن حكمة ، فقد تحمَّل سلمان المشاق والمتاعب الوافرة لأجل هذا الدين ، وتحمَّل عبء العبودية والرق مرات عديدة وتحمَّل التعذيب ، ولم تثبّط هذه الامور عزيمته على لقاء الرسول ، فكان جديراً للهداية حقاً ، أما العصاة المتعصّبون وعبدة الأهواء والمغرورون ، فكان التعصّب والغرور واللجاجة قد ضرب بينهم وبين نور الايمان ستاراً يمنع من نيلهم من هذا النور ، فكانوا دون نصيب منه.
لا يمكن للأعمى أن يهتدي بنور الشمس مهما كان قوياً ، وهذا ليس لنقص في نور الشمس بل لسقم في عينيه.
والخفاش إذا كان يعيش في الظلام ويهرب من نور الشمس سعياً وراء الظلمات فلأجل أنه غير جدير ولا مؤهَّل لنور الشمس ، بل ذلك هو شأنه.
النور نور مهما كان ، وما علينا هو إعداد أنفسنا للاستلهام منه ، فنتجنّب الرذائل الأخلاقية لكي نكتسب أهليه الهداية الالهية.
إذن ، الآية : (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) تعني : يهدي الله لنوره من وجدت فيه الأهلية والجدارة.
والآية : (وَاللهُ بكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ) تعني : الله عالم بمن تحققت فيه هذه الجدارة فيهتدي ومن لم تتحقق فيه فلا يهتدي بل يُحرم من الهداية. وبتعبير آخر : لا يتوفّق الانسان لعمل إلَّا إذا عشقه ، ولو أراد الانسان الهداية الإلهية فعليه أن يحب الله ويترك الأهواء واتّباع الشيطان.
شكى شخص عند أحد العظماء بأنه لم يُوفّق لرؤية صاحب الأمر والزمان (أرواحنا وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء) حتى في المنام ، رغم حبه إياه وعشقه الوافر له.