(يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ)
يصف القرآن هذا البحر الموَّاج بأن أمواجه تتلاحق موج بعد موج أو موج فوق موج وفي ليلة غائمة.
البحار كلَّما عمقت كلما ازدادت أمواجها وعظمت ، ويمكن تصوّر عظمة الأمواج في البحار العميقة من خلال قياسها مع الأمواج الصغيرة التي تحصل في حوض السباحة التي هي أصغر بكثير من أمواج البحار وبخاصة العميقة منها.
المستفاد من توصيف القرآن بأن البحر لجّي كونه عميقاً ، كما أن العلماء يقولون : لا ضوء في الأعماق الأكثر من سبعمائة متر ، وهذا يكشف عن وجود ظلمات دامسة في هذه الأعماق. والعجيب أن في هذه الأعماق توجد نباتات وحيوانات مشعَّة ، أي يشعُّ منها ضوء. فمن اين جاءت بالضوء؟ وما هي الأجهزة التي تولّد الضوء؟ يا مَن في البحر عجائبه؟ (١)
ما سبب كون أعمال الكفَّار بمثابة الظلمات التي في البحر اللجّي وفي أعماق لا يصلها ضوء؟
لهذا الأمر علتان ، أحدهما : عمق البحر ، وثانيهما : أمواجه. الأمواج تسبب انكسار الضوء وتمنع من عبوره إلى أعماق البحر ، مضافاً إلى هذه الظلُمات المتراكمة فإن السماء غائمة وممطرة ، وعادة ما تكون الغيوم الممطرة متراكمة وتزيد من الظلام ، عكس الغيوم الاخرى التي يقل تراكمها ويسهل عبور الضوء منها (٢).
(ظُلمَاتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إذَا أخْرَجَ يَدَهُ لم يَكَد يراها)
ملخّص الكلام هنا أن عوامل الظلام جميعها قد اجتمعت في هذا البحر ، من الليل المظلم والسحب المتراكمة والممطرة التي تمنع من نفوذ الضوء فيها ومن العمق الكبير ومن الأمواج المتتالية التي تكسر الضوء.
لقد تراكمت الظلمات هنا إلى مستوى لو أنَّ شخصاً وضع يده أمامه ما أستطاع رؤيتها حتى لو قرّب يده من عينيه ، مع أنَّه بامكانه رؤيتها في الليالي العادية.
__________________
(١) هذه جملة من دعاء جوشن الكبير الذي يحتوي على ألف اسم من أسماء الله تعالى.
(٢) هذا إشارة إلى ما ورد في كلام الامام أمير المؤمنين عليهالسلام في الكلمة ٤٧٢ من كلماته القصار ، حيث قسَّم السحاب إلى قسمين قائلاً : «اللهُمَّ اسقنا ذلل السحاب دون صعابها».