والآية تقسِّم الصحابة إلى القسمين التاليين :
الأول : الذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات فلهم أجر عظيم.
الثاني : الذين لم يؤمنوا حقيقة وما عملوا الصالحات فهم محرومون من الأجر الإلهي العظيم.
إذن ، تنزيه جميع الصحابة ـ كما فعل ذلك بعض أهل السنة ـ لا ينسجم مع القرآن الكريم (١) ؛ لأن هناك آيات كثيرة خصوصاً في سورة التوبة وردت في ذم بعض الصحابة ، مع أنَّا لو نزّهنا جميع الصحابة واعتبرناهم جيّدين ، فلما ذا تنازعوا فيما بعد؟ ألا يعدُّ ذلك تناقضاً؟
في أحد أسفاري إلى مكة كان لي نقاش في المسجد الحرام بعد صلاة المغرب مع بعض الاخوة من أهل السنة ، جرّنا الحديث إلى قضية الصحابة ، فكانوا يقولون : إنَّهم منزَّهون جميعاً ، فسألتهم : لو كنتم في حرب صفين فتنضمُّون إلى عسكر الامام علي عليهالسلام أم معاوية؟ فقالوا : إلى عسكر علي عليهالسلام ، لكنَّا لا نسيء إلى معاوية.
فسألتهم : لو أعطاكم الامام علي سيوفاً وأمركم بقتل معاوية فما تفعلون؟ قالوا : ننفّذ أمر علي ونقتل معاوية ، لكنَّا لا نقول في معاوية إلَّا قولاً حسناً؟! وهذا يشبه النصب والهزل أكثر من الحقيقة.
يبرّر البعض هذا المنهج من التفكير بأن كلاً من علي ومعاوية عمل وفق اجتهاده واستنباطاته الشخصية ، ولذلك لا يعدان مقصرين ، وكذا الحال بالنسبة إلى طلحة والزبير وعائشة ، فما خروجهم عن خلافة الامام علي عليهالسلام إلَّا وفق اجتهاداتهم ، ولهذا لا يعدون مذنبين أو مقصرين عند الله ؛ لأن كلاً منهم عمل وفق ما تفرضه عليه وظيفته الشرعية.
بطلان هذا التبرير واضح جداً ، فإذا قبلنا هذا الكلام فلا يبقى مذنب على وجه الأرض ، لأن هابيل وقابيل عملا وفقاً لما تمليه عليهما اجتهاداتهما واستنباطاتهما ، ولا يمكن مؤاخذة أيٍّ منهما وفقاً لهذا المنهج ، كما أنَّ كلاً من موسى وفرعون ، وإبراهيم ونمرود ، وعيسى وعبدة الأصنام ، وشعيب وقومه و... عمل وفق اجتهاده واستنباطه ، ولا يُعدُّ واحد منهم مقصّراً أو مذنباً!!!
__________________
(١) للمزيد راجع نظرية عدالة الصحابة ، للاستاذ أحمد حسين يعقوب.