وقد فسّر الظلم في الاية بتفسيرين ، الاول : هو الشرك ، أي أنّ (إيْمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) تعني الإيمان الخالص الذي لم يمتزج بالشرك. والثاني : هو المعنى المعروف والمتبادر من المفردة ، أي أنّ المؤمن الذي لم يمتزج ايمانه بظلم لأحد فله الأمن وهو مهتد.
ونقرأ في آيات أخرى : (ألا إنّ أوْلِيَاءَ الله لا خَوْفٌ عَلَيْهِم وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الّذينَ آمنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُم البُشرَى فِي الحيوةِ الدُّنْيَا وفي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذَلك هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ) (١)
إنَّ عدم الأمن والاضطراب والخوف والوحشة في الدنيا ، وعذاب جهنم في الآخرة هو نصيب المنافقين ، أمّا المؤمنون فنصيبهم الأمن والسعادة والفلاح.
وهذا أمر اثبت العلم الحديث صحته ، ففي مؤتمر حمل عنوان (تأثير الدين على نفس الإنسان) ، توصل العلماء المشتركون فيه إلى ان المؤمنين قليلاً ما يبتلون بالامراض النفسية وكثيراً ما نجد هذا النوع من الامراض في الذين يفقدون الايمان بالله ؛ وذلك لأنّ غير المؤمن يشعر بالوحدة دائماً وتهزه ابسط المشاكل.
أمّا المؤمن فيرى الله معه ، يتوكل عليه في الحوادث ويبدي الثبات والصبر من نفسه دائماً ، فإذا فقد أحد أعزته قال : (إنَّا للهِ وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ) (٢) وبهذا الإعتقاد تسهل عليه الوطئة وتتغمده رحمة الله وألطافه كما تقول الاية ١٥٧ من سورة البقرة.
وهو إذا فقد رأس ماله لا يأسى ولا يحزن ، كما انه إذا اتاه شيء ثمين لا يفرح ولا يفخر (لَكَيْلا تأسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ واللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (٣)
وإذا حصلت له حوادث أخرى فيعدها امتحانات الهية تسلك به نحو الكمال في الدنيا وتدرُّ عليه الثواب والأجر في الآخرة. فهو لا يلعن الزمان ولا المكان بل يشكر الله ويحكّم ايمانه بالله ويقوّيه. واذا ما تصفحنا سيرة عظمائنا لوجدنا مفاهيم هذه الايات متجسدة فيهم عملياً.
__________________
(١) يونس : ٢٦ ـ ٦٤.
(٢) البقرة : ١٦٥.
(٣) الحديد : ٢٣.