عندئذٍ تبدَّل الموقف لصالح موسى عليهالسلام ، وتغيّرت الابتسامة والتصفيق والهلاهل إلى هموم واستياء وتعجّب ، وخيَّم الرعب على فرعون والتعجّب على المشاهدين.
ظنَّ فرعون أن هذه الأفعى ستبلعه ، وبدا الاضطراب على وجهه واضحاً ، وبخاصة بعد ما سقط التاج من على رأسه.
أسلم السحرة جميعهم وسجدوا ولم تؤثر فيهم تهديدات فرعون ولم تثبط عزمهم على الايمان بربِّ موسى.
بعد ما شاهدت آسية هذه اللقطات غرقت بالتفكير ، وبعد مشوار انقدحت شعلة من الايمان في قلبها ازدادت تدريجياً لتنير كل وجودها بل وحتى خارجه.
أخذت آسية بمناجاة الله في الخلوة ، وبادرت بالقيام بالأعمال الصالحة ، وبعد ما شاهد فرعون آثار الايمان وحب الله في سلوكها سألها عن الحقيقة ، فما استطاعت كتمان حبها المقدس وما استطاعت الكذب عليه فقالت الحقيقة له.
غضب فرعون الجبار كثيراً وهدّدها ، لكن تهديده لم يؤثّر فيها أدنى تأثير ، وكما قال الصادق عليهالسلام : «إن المؤمن أعزُّ من الجبل ، إن الجبل يستقلُّ منه بالمعاول والمؤمن لا يستقل من دينه» (١) أي لا أنه لا ينثني أمام الريح فحسب بل يغيّر اتجاهه.
بدأت النصائح والملامات تمطر على آسية من كل مكان وبخاصة الأقرباء والأصدقاء ، فكانوا يقولون لها : كيف يمكن لك أن تدبري عن هذه النعم من الخدم والحشم والنعم التي تحيط بك كملكة لمصر؟!
لكن جواب آسية لهذه الاعتراضات والملامات هو : أنّي لا أرفع يدي من الايمان بالله.
ما كاد فرعون يحتمل نفوذ موسى في بيته وفي قلب شريكة حياته ، ولو استمرَّت آسية على إيمانها بإله موسى شكلت أزمة كبيرة لفرعون الطاغوت ، لذلك أصدر حكماً بالقضاء عليها.
أخذوا بآسية إلى صحراء قاحل وأوتدوا رجليها على الأرض ووضعوا صخرة ثقيلة على صدرها وحرموها من الماء والغذاء لعلَّها ترجع إلى دين فرعون أو تموت ، فاختارت هذه البطلة الطريق الثاني.
__________________
(١) الكافي ٥ : ٦٣.