عند ما كان يأتيها متمثلاً بشاب جميل ، وهي في الخلوة تغسل جسمها وتقول له : (إنّي أعُوذُ بالرّحْمَنِ مِنْكَ إنْ كُنْتَ تَقِياً) (١) ، ورغم أن جبرئيل طمئنها وقال لها : (إنَّما أنَا رَسُولُ ربِّكَ لأهَبَ لكِ غُلاماً زكيّاً) (٢) إلَّا أن الاضطراب لا زال يسيطر عليها ، لذلك قالت له : (أنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ولَمْ يَمْسَسْني بَشَرٌ وَلَمْ أكُ بغيّاً) (٣) ، وهذا كله يكشف عن مستوى عفتها وطهارتها.
الثاني : (وَصَدَّقَتْ بكَلِمَاتِ رَبِّها وكُتُبِهِ)
التسليم المطلق والخالص إلى الله والعبودية هي الامتياز الآخر الذي بيّنه القرآن لمريم.
كانت مريم مصدِّقة لكتب الله السماوية ولكلمات ربّها.
اختلف المفسِّرون في أنّ (كتبه) عطف تفسيري على (كلمات ربِّها) أم لا ، وأنا أعتقد انعدام العطف التفسيري أو قلة موارده في القرآن. وعلى هذا يكون المراد من (كتبه) هو الكتب السماوية ، أي التوراة والانجيل والقرآن ، والمراد من (كلمات ربِّها) هو الأحاديث القدسية ، أي كلام الله الذي لم يرد في الكتب السماوية (٤).
الثالث : (وَكَانَتْ مِنَ القَانتِينَ)
قنوت مريم هو امتيازها الثالث ، وهو يعني العبادة والطاعة ، وبما أنه جاء مطلقاً ودون قيد كان يعني أنها مفعمة بالطاعة والعبادة لربِّها ربّ العالمين.
ليس من السهل أن يكون الانسان مطيعاً خالصاً دون قيد أو شرط ، وكثير من أعمال عباد الله منتقاة ، أي أنَّه ينتقي ما ينفعه ويذر ما لا ينفعه ، بينما عباد الله المخلصون يعملون له مطلقاً مهما كانت آثار العمل ومردوداته.
نتيجة العفَّة التي يُضرب بها المثل وكذا الايمان والاعتقاد بجميع ما أنزل الله والطاعة والعبادة الخالصة التي لا مثيل لها أن نفخ الله فيها من روحه ومنحها ولداً طاهراً كعيسى بن مريم عليهالسلام.
__________________
(١) مريم : ١٨.
(٢) مريم : ١٩.
(٣) مريم : ٢٠.
(٤) انظر الأمثل ١٨ : ٤٢٧.