باحتياط ، وهم حالياً يتَّهم بعضهم الآخر.
ممَّا يلفت أنَّ الآية (قَالُوا سُبحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) تكشف عن أنَّهم لم يتلقّوا نزول العذاب ظلماً من الله عليهم ، بل نزّهوا الله من كل ظلم ، واعتبروا أنفسهم سبباً لهذا العذاب. إنهم أعلنوا من خلال هذه الجملة كونهم ظلموا الآخرين فكانوا أهلاً لنزول العذاب ، ولم يكن ذلك ظلماً من الله عليهم ، بل ما صدر منه هو عين العدالة والحكمة ونوعٌ من اللطف في حقّهم ؛ لأن وجدانهم استيقظ من سباته إثر هذا العذاب فتابوا إلى الله وأنابوا إليه.
(قَالُوا ياوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ)
ربّنا ، أغوتنا نعمك وأغفلتنا عن صاحب النعم ، فانحرفنا.
ربّنا ، ما كنا نعلم أنَّ الأموال التي وهبتها لنا لم تكن بأكملها لنا ، بل جعلت سهماً للفقراء فيها.
ربّنا ، علمنا أن ذلك كان اختباراً منك لنا فنتوب ونقرُّ بذنبنا ، وها نحن جئناك تائبين نادمين داعيك بالدعاء التالي :
(عَسَى رَبُّنَا أَن يُبدِلَنَا خَيراً مَنهَا إنَّا إلى رَبِّنَا راغِبُونَ)
يقظ أصحاب الجنة من سبات الغفلة بصفعة العذاب الإلهي ، فاعتبروا ممَّا حدث لهم وتابوا ودعوا الله بهذا الدعاء.
بعد التوبة والدعاء عزموا بجدٍّ ومثابرة على العمل على الأرض ، فلم يمضِ وقت طويل ـ كما ينقل ابن مسعود ـ حتى رزقهم الله بلطفه جنَّة أعظم وأفضل ممَّا كانت لهم (١). لكن بعض المفسرين يرى أن توبتهم لم تُقبل لعدم توافر شروط التوبة فيهم (٢).
(كَذَلِكَ العَذَاب وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أكبَرُ لَو كَانُوا يَعْلمُونَ)
هذه الآية استنتاج لقصة أصحاب الجنَّة ، وهي تحذير لكلِّ من كان يعيش حياة ذات وجوه شبه مع حياة أصحاب الجنَّة ، فهي تقول : إن العذاب الاخروي أشدّ وأكبر من العذاب
__________________
(١) مجمع البيان ١٠ : ٢٣٧.
(٢) انظر الأمثل ١٨ : ٤٩٧.