الجدب أو المرض أو الصحّة فالأشبه أن يكون مستعارا مشبّها بغيره ؛ لأنّا لا نفهم من إطلاق قولنا عموم وخصوص بالعرف المستقرّ إلّا ما يعود إلى الألفاظ.
ومن خالفنا من المتكلّمين والفقهاء يقول في كلّ ما قلنا : «انه يستغرق من هذه الألفاظ صلاحا» : «انه يستغرق وجوبا». وسيجيء الكلام في ذلك بعون الله ومشيّته (١).
[الثاني :] فصل في ذكر الدلالة على أنه ليس للعموم المستغرق
لفظ يخصه واشتراك هذه الألفاظ الّتي يدّعى فيها الاستغراق
الّذي يدلّ على ذلك أنّ كلّ لفظة يدّعون أنّها للاستغراق تستعمل تارة في الخصوص ، وأخرى في العموم ، ألا ترى أنّ القائل إذا قال : من دخل داري أهنته أو أكرمته ، لا يراد به إلّا الخصوص ، وقلّما يراد به العموم ، ويقول : لقيت العلماء ، وقصدت الشرفاء ، وهو يريد العموم تارة ، والخصوص أخرى ، وهذا معلوم ضرورة ، ممّا لا يقع في مثله خلاف ، والظاهر من استعمال اللفظة في شيئين أنّها مشتركة فيهما ، وموضوعة لهما ، إلّا أن يوافقونا ، أو يدلّونا بدليل قاطع على أنهم باستعمالها في أحدهما متجوّزون ، وهذه الجملة تقتضي اشتراك هذه الألفاظ ، واحتمالها العموم والخصوص ، وهو الذي اعتمدناه.
فإن قيل : دلّوا على أنّ بنفس الاستعمال تعلم الحقيقة ، وهذا ينتقض بالمجاز ؛ لأنّهم قد استعملوه ، وليس بحقيقة ، ثمّ دلّوا على أنّهم استعملوا هذه الألفاظ في الخصوص على حدّ ما استعملوها في العموم ؛ فإنّا نخالف في ذلك ، ونذهب إلى أنّ كيفيّة الاستعمال مختلفة.
قلنا : أمّا الّذي يدلّ على الأوّل فهو أن لغتهم إنّما تعرف باستعمالهم ، وكما أنّهم إذا استعملوا اللّفظة في المعنى الواحد ولم يدلونا على أنّهم متجوّزون ،
__________________
(١) الذريعة ، ١ : ١٩٧.