ـ (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [البقرة : ٥٣].
[إن سأل سائل] فقال : كيف يكون ذلك ، والفرقان هو القرآن ، ولم يؤت موسى القرآن ، وإنّما اختصّ به محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم؟
الجواب : قلنا : قد ذكر في ذلك وجوه :
أوّلها : أن يكون الفرقان بمعنى الكتاب المتقدّم ذكره ؛ وهو التوراة ولا يكون اسما هاهنا للقرآن المنزل على محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويحسن نسقه على الكتاب لمخالفته للفظه ؛ كما قال تعالى : (الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) (١) ، إن كانت الحكمة ممّا يتضمّنها الكتاب ، وكتب الله تعالى كلّها فرقان ، يفرق بين الحقّ والباطل ، والحلال والحرام.
ويستشهد على هذا الوجه بقول طرفة :
فما لي أراني وابن عمّي مالكا |
|
متى أدن منه ينأ عنّي ويبعد (٢) |
فنسق «يبعد» على «ينأ» وهو بعينه ، وحسّن ذلك اختلاف اللفظين. وقال عدي بن زيد :
وقدّمت الأديم لراهشيه |
|
وألفى قولها كذبا ومينا (٣) |
والمين الكذب.
وثانيها : أن يكون الكتاب عبارة عن التوراة ، والفرقان انفراق البحر الذي أوتيه موسى عليهالسلام.
وثالثها : أن يراد بالفرقان الفرق بين الحلال والحرام ، والفرق بين موسى وأصحابه المؤمنين وبين فرعون وأصحابه الكافرين ؛ لأنّ الله تعالى قد فرّق بينهم في أمور كثيرة ؛ منها أنّه نجّى هؤلاء وأغرق أولئك.
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ١٥١.
(٢) من المعلقه ص ٨٦ ـ بشرح التبريزي.
(٣) حاشية بعض النسخ : «يعني الزباء وجذيمة ، والراهشان : عرقان في الذراعين ، والأديم : النطع ، وكانت قد وعدته بأن تتزوجه ، ثمّ غدرت به فقتلته على نطع ، وهو الأديم الذي ذكره».