كانوا بين مذهبين : أحدهما : أنّ للامّ ثلث المال في المسألتين ، والمذهب الآخر : أنّ لها ثلث ما بقي في المسألتين ، ففرّق ابن سيرين بين ما لم يفرّقوا بينه. وحكي عن الثوريّ : أنّه كان يقول : إنّ الجماع مع النسيان يفطر ، وإنّ الأكل مع النسيان لا يفطر ، ففصّل بينهما ، وجميع الفقهاء على خلافه ؛ لأنّ من فطّر بأحدهما ، فطّر بالآخر ، ومن لم يفطّر بأحدهما لم يفطر بالآخر.
[العاشر] : فصل في أن إجماع أهل المدينة ليس بحجّة
وتجوز مخالفته
حكي عن مالك أنّه كان يجعل إجماع أهل المدينة حجّة ، وفي أصحابه من ينكر ذلك ، ويقول : إن روايتهم مرجّحة على رواية غيرهم. والّذي نقوله أنّه إن كان إمام الزمان الّذي قد دلّت الأدلّة على عصمته مقيما في المدينة ، فإجماع أهلها حجّة لهذه العلّة ، لا لشيء يرجع إليها ؛ لأنّه لو انتقل عنها إلى غيرها ، زال هذا الحكم ، فلا تأثير للمدينة. ومن خالفنا في ذلك يقول : إنّ الله تعالى جعل الإجماع حجّة ، وليس أهل المدينة كلّ الأمّة ، ولا هم أيضا كلّ المؤمنين ولا كلّ العلماء ، فيما يراعى فيه إجماع العلماء. وما يروى من تفضيل النبيّ لها ، والثناء عليها لا يدلّ على أنّ إجماع أهلها هو الإجماع ، وأنّ الخطأ لا يجوز عليهم ، ولا تعلّق له بذلك.
فإن قيل : فلو فرضنا أنّ الرسول عليهالسلام قال : «إجماع أهل المدينة حجّة» كيف كان يكون الحكم؟
قلنا : لو وقع هذا القول ، لدلّ على أن إجماعهم حجّة ، وإن انتقلوا إلى الكوفة.
فإن قيل : فلو قال عليهالسلام : الخطا لا يقع منهم ما داموا في المدينة.
قلنا : ليس ينكر ذلك غير أنّه ما جرى هذا الّذي قدرتموه.