وجه ؛ لأنّ معاداة إبليس لآدم عليهالسلام قبيحة ، ومعاداة الكفّار من ذرّيّته للمؤمنين منهم كذلك؟.
قلنا : ليس يقتضي الظاهر ما ظننتموه ؛ وإنّما يقتضي أنّه أمرهم بالهبوط في حال عداوة بعضهم بعضا ؛ فالأمر مختصّ بالهبوط ، والعداوة تجري مجرى الحال ؛ وهذا له نظائر كثيرة في كلام العرب. ويجري مجرى هذه الآية في أنّ المراد بها الحال قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) (١) ؛ وليس معنى ذلك أنّه أراد كفرهم كما أراد تعذيبهم وإزهاق نفوسهم ؛ بل أراد أن تزهق أنفسهم في حال كفرهم ، وكذلك القول في الأمر بالهبوط ، وهذا بيّن (٢).
ـ (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة : ٣٧].
[ان سأل سائل عن تأويل هذه الآية]
[قلنا :] الجواب :
أمّا قوله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) فالتلقّي هاهنا هو القبول والتناول على سبيل الطاعة ، وليس كلّ ما سمعه واحد من غيره يكون له متلقّيا حتى يكون متقبّلا ، فيوصف بهذه السمة.
وأغنى قوله تعالى : (فَتَلَقَّى) عن أن يقول : فرغت إلى الله لهن أو سألته عقبهن (٣) ؛ لأنّ معنى التلقي يفيد ذلك وينبىء عمّا حذف من الكلام اختصارا ، ولهذا قال تعالى : (فَتابَ عَلَيْهِ) ولا يتوب عليه إلّا بأن سأل ورغب ويفزع بتلك الكلمات.
وقد قرأ ابن كثير وأهل مكّة وابن عباس ومجاهد : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) بالنصب وبرفع «كلمات» وعلى هذه القراءة لا يكون معنى التلّقي القبول ، بل يكون المعنى أنّ الكلمات تداركته بالنجاة والرحمة.
__________________
(١) سورة التوبة ، الآية : ٥٥.
(٢) الأمالي ، ٢ : ١٣٥.
(٣) كذا والظاهر : إلى الله بهن أو سأله عقبهن.