وقد قال الله سبحانه في قوم عرفوا ثمّ عاندوا : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤)) (١).
فصل
تنزيهه تعالى عن القضاء بغير الحق
فإن قال منهم قائل : ماذا نفيتم أن يكون الله فاعلا لأفعالكم ، أفتقولون : إنّه قضى أعمالكم؟
قيل له : إن الله تعالى قضى الطاعة إذ أمر بها ولم يقض الكفر والفجور والفسوق.
فإن قال : فما الدليل على ما قلتم؟
قيل له : من الدليل على ذلك قول الخالق الصادق «عزوجل» : (لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) (٢) فعلمنا أنّه يقضي بالحقّ ولا يقضي بالباطل ؛ لأنّه لو جاز أن يتمدّح بأنّه يقضي بالحقّ وهو يقضي غير الحقّ ويقضي بالباطل لجاز أن يقول : والله يقول الحقّ وهو يقول غير الحقّ ، فلمّا كان قوله والله يقول الحقّ دليلا على أنّه لا يقول غير الحقّ كان قوله يقضي الحقّ دليلا على أنّه لا يقضي غير الحقّ.
ويدلّ على ذلك قوله تعالى : (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) (٣) ، فعلمنا أنّه يقضي بالحقّ ولا يقضي بالجور.
ويدلّ على ذلك أيضا قوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) (٤) ، فعلمنا أنّه لم يقض عبادة الأصنام والأوثان ولا عقوق الوالدين.
__________________
(١) سورة النمل ، الآية : ١٤.
(٢) انتقت النسخ على هذا ، والاية في سورة الانعام ٥٧ هكذا : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ).
(٣) سورة غافر ، الآية : ٢٠.
(٤) سورة الإسراء ، الآية : ٢٣.