استحقّ بتعريضه وتكليفه كان نعمة منه تعالى ومنسوبا إلى تفضّله ورحمته.
ثم لو سلّمنا أنّ المراد بالأية (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) بالإيمان حسب ما اقترحوا لم تكن فيه دلالة على أنّ الإيمان من فعله عزّ اسمه ؛ لأنّه إذا كان بتفويضه وتكليفه وتوفيقه وألطافه ومعونته ، فهو نعمة منه.
ألا ترى أنّ أحدنا إذا دفع إلى غيره مالا عظيما تفضّلا عليه ، فصرفه ذلك الغير في ضروب المنافع وابتياع العبيد والضياع ، لم يمتنع أحد من أن ينسب تلك الضياع بأنّها نعمة من دافع المال من حيث وصل إليها بنعمته ومعونته ، وهذا واضح لا شبهة فيه (١).
[بحث فقهي :]
وممّا انفردت به الإمامية إيثار ترك لفظة آمين بعد قرائة الفاتحة ؛ لأنّ باقي الفقهاء يذهبون إلى أنّها سنّة (٢). دليلنا على ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة على أنّ هذه اللفظة بدعة وقاطعة للصلاة ، وطريقة الاحتياط أيضا ؛ لأنّه لا خلاف في أنّه من ترك هذه اللفظة لا يكون عاصيا ، ولا مفسدا لصلاته ، وقد اختلفوا فيمن فعلها ، فذهبت الإمامية إلى أنّه قاطع لصلاته والأحوط تركها.
وأيضا فلا خلاف في أنّ هذه اللفظة ليست من جملة القرآن ، ولا مستقلة بنفسها في كونها دعاء وتسبيحا ، فجرى التلفّظ بها مجرى كلّ كلام خارج عن القرآن والتسبيح ، فإذا قيل هي تأمين على كلّ دعاء سابق لها وهو قوله عزوجل : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ).
قلنا : الدعاء إنّما يكون دعاء بالقصد ، ومن يقرأ الفاتحة إنّما قصده التلاوة دون الدعاء ، وقد يجوز أن يقرأ من قصد الدعاء ، ومخالفنا يذهب إلى أنّها مسنونة لكلّ فصل من غير اعتبار قصده إلى الدعاء ، وإذا ثبت بطلان إستعمالها فيمن لم يقصد إلى الدعاء ثبت ذلك في الجميع ؛ لأنّ أحدا لم يفرق بين الأمرين (٣).
__________________
(١) الرسائل ، ٣ : ٢٨٧ إلى ٢٩٦.
(٢) المحلّى ، ٣ : ٢٦٤.
(٣) الانتصار : ٤٢.