يجوز أن يسمّى بها غيره ، و «الرحيم» يختصّ به وبغيره يشترك بينه وبين غيره ، فأراد تعالى أن يصف نفسه بما يختصّ به ، ويشارك فيه من أوصاف الرحمة وهذا يرجع معناه إلى الجواب الأوّل ؛ لأنّه لما اختصّ «الرحمن» به تعالى لقوّته ومبالغته.
وخامسها : أن يكون المعنى وإن كان واحدا ، فالمراد به التوكيد ، والشيء قد يؤكّد على مذاهب العرب ، بأن يعاد لفظه بعينه ، كقول الشاعر :
ألا سألت جموع كندة |
|
إذ تولّوا أين أينا (١) |
وقد تؤكد أيضا بأن يخالف بين اللفظين وإن كان المعنى واحدا ، كقول الشاعر :
وهند أتى من دونها النأي والبعد (٢)
وهذا التأكيد المختلف اللفظ أحسن عندهم ، ونظائره وشواهده أكثر من أن تحصى ، والتأكيد في قوله تعالى : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أحسن وجهي التأكيد وأبلغهما.
وهذا الجواب على مذهب من يقول : إنّ التأكيد لا يفيد إلّا معنى المؤكّد ، وفي هذا خلاف ليس هذا موضع ذكره.
مسألة : فإن قال قائل : فما الوجه في قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) هذا الكلام لا يخلو من أن يكون خبرا وتحميدا منه تعالى لنفسه أو أمرا ، فان كان خبرا فأيّ فائدة في أن يحمد هو تعالى لنفسه ويشكرها ، وإن كان أمرا فليس بلفظا لأمر.
__________________
(١) كذا في المطبوعة ، وفي الأغاني هكذا :
«هلا سألت جموع كندة |
|
يوم ولوا أين أينا» |
ونسبه إلى عبيد بن الأبرص. الأغاني ، ٥ : ٤٧٧.
(٢) البيت لحطيئة ، انظر اللسان مادة «سند».