الثاني بهذه الصفة ؛ فأولى أن يكون كذلك الثالث وما زاد عليه. ولأنّه لا يخلو من أن يكون الحقّ في جملة أقوال المختلفين ، أو فيما عداها ، والأوّل يقتضي أنّ الزيادة باطلة ؛ لأنّها خلاف الحقّ ، والقسم الثاني يقتضي أن يكونوا قد أجمعوا على الذهاب عن الحقّ ، وذلك أيضا باطل. ومن يقول بالاجتهاد يضيق عليه هذا الموضع ؛ لأنّه لا يسلّم له أنّ الأمّة إذا اختلفت على قولين فإنّها محرّمة للقول الثالث على كلّ حال ، بل إنّها محرّمة بشرط أن لا يؤدّي الاجتهاد إليه ، ويجب أن يجوّزه إذا أدّى الاجتهاد إليه. وهذه جملة كافية.
[الثامن :] فصل في أنّ الصحابة إذا اعتلت بعلّتين أو استدلّت بدليلين
هل يجوز لمن بعدهم أن يعتل أو يستدلّ بغير ذلك
اعلم أنّ الدلالة بخلاف المذهب ، والصحيح أنّه يجوز أن يستدلّوا في المسألة بدليل أو اثنين ، فيزيد من بعدهم على ذلك طريقة أخرى ؛ لأنّ الدليل الثاني كالأوّل في أنّه يدلّ على الحكم ويوصل إليه ، فلو أبطلناه لذهابهم عنه لكان ذلك مبطلا لدليلهم أيضا ، وقد يجوز أن يستغنوا عنه بدليل غيره ، لقيامه مقامه. ولا يجوز ذلك في المذهب ؛ لأنّ الحقّ واحد لا يختلف ، ولا يقوم غيره مقامه. وكذلك القول في القدح وإبطال الاستدلال : إنّه يجوز أن يزيد المتأخّرون على ما سطره المتقدّمون.
فأمّا تأويل الآي ، وتخريج معاني الأخبار ؛ فكلّ من صنّف أصول الفقه يجعل حكم ذلك حكم المذاهب ، لا حكم الأدلّة ، ولا يجوز أن يزيد المتأخّر على ما بلغ إليه المتقدّم. والأقوى في نفسي أن ذلك جائز ، كما جاز في الأدلّة ، فإنّ تأويل الآي لا يجري مجرى المذهب ، بل هو بالأدلّة أشبه. والّذي يوضح عمّا ذكرناه أنّا إذا تأوّلنا قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣)) (١)
__________________
(١) سورة القيامة ، الآيتان ، ٢٢ ـ ٢٣.