لوجب تمييز ذلك للمكلّف وإعلامه إيّاه ، ليفصل بين جهة الحسن وجهة القبح ، كما فصل بين جهة كون هذه الصلاة عبادة لله تعالى ، وبين كونها عبادة لغيره. وبين وقوعها بطهارة ونيّة مخصوصة ، وبين وقوعها على خلاف ذلك. وتميّز له فيما ذكرناه جهة الحسن من جهة القبح ، فقد كان يجب أن يتميّز له أيضا الجهة الّتي تكون هذه الصلاة عليها مصلحة من جهة كونها مفسدة ، فلمّا قيل له : «صلّ الظهر بطهارة وبنيّة مخصوصة» ، ولم يشترط له شيئا زائدا على الشرائط الشرعيّة المعقولة ؛ علمنا أنّ الصلاة على هذه الشروط متى وقعت في هذا الوقت كانت مصلحة ، فيقبح للنهي عنها. وهذه غاية ما بلغ النهاية من كثرة تكرار الكلام على هذه المسألة في الكتب المختلفة.
[أدلّة القائلين بجواز النسخ قبل حضور وقت العمل والجواب عنها]
وقد تعلّق من خالفنا في هذه المسألة بأشياء :
أوّلها : قوله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) (١) ويدخل في هذا الظاهر موضع الخلاف.
وثانيها : أمره تعالى إبراهيم عليهالسلام بذبح ابنه ، ثمّ نسخه عنه قبل وقت الفعل ، وفداه بذبح.
وثالثها : ما روي في ليلة المعراج من أن الله تعالى أوجب في اليوم واللّيلة خمسين صلاة ، ثمّ راجع النّبي عليهالسلام إلى أن عادت إلى خمس (٢) ، وهذا نسخ قبل وقت الفعل.
ورابعها : أنّ النسخ إنّما يتأتّى فيما لم يفعل ، وما فعل كيف ينسخ.
__________________
(١) سورة الرعد ، الآية : ٣٩.
(٢) راجع صحيح البخاري ، ١ : ٩٢ كتاب الصلاة ، باب كيف فرضت صلاة.