الحقير الصغير [بطريق] أولى ، ومن عادة العرب إذا أرادوا العظيم والمبالغة أن يعلّقوا الكلام بأعظم الأمور وأظهرها ، ويكتفون بذلك عن ذكر غيره شمولا أو عمومه (١).
ألا ترى أنّهم إذا أرادوا أن يصفوا رجلا بالجود ويبالغوا في ذلك ، قالوا : هو واهب الألوف والقناطير ، ولم يفتقروا أن يقولوا : هو واهب الدوانيق والقراريط ؛ للاستغناء عنه ولدلالة الكلام عليه؟
ووجه آخر : وهو أن يكون في الكلام حذف ، ويكون تقديره : مالك يوم الدين وغيره ، كما قال تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) (٢) فحذف اختصارا.
وهذا الجواب يضعف وإن كان قوم من المفسّرين قد اعتمدوه في هذا الموضع ؛ لأنّ الحذف إنّما يحتاج إليه عند الضرورة بتعذّر التأويل ، فأمّا مع إمكانه وتسبله (٣) فلا وجه لذكر الحذف.
والمثال الذي مثّلوا به غير صحيح ؛ لأنّ قوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) ما يرد (٤) والبرد ، ثم حذفه ، بل الوجه فيه أنّه خاطب قوما لا يمسّهم إلّا الحرّ ، ولا مجال للبرد عليهم ؛ لأنّ بلادهم يقتضي ذلك ، فنفى الأذى الذي يعتادونه (٥).
ويمكن أن يكون إرادة نفي الامرين ، فدلّ على نفي أضعفهما ، كما ذكرناه قبل.
مسألة : فإن قيل : فما الوجه في قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وما الفائدة في هذا التكرار؟ ويغني أن يقول : إيّاك نعبد ونستعين.
الجواب :
قلنا : قد قيل في ذلك : إنّ الكناية لو تأخّرت عن القائل فيها لتكرّرت ،
__________________
(١) كذا والظاهر : عموما.
(٢) سورة النحل ، الآية : ٨١.
(٣) كذا والظاهر : وتسيره.
(٤) كذا والظاهر : ما أراد.
(٥) راجع أيضا الذخيرة : ٥٧٩.