وقال إبراهيم محتّجا عليهم في قولهم : إنّ الله خلق أعمالهم فلم ما قالوا : يا إبراهيم إن كان الله خلق فينا الكفر ولا يمكننا أن نردّ ما خلق الله فينا ولو قدرنا لفعلنا ، وأنت تأمرنا بأمر لا يكون خلق الله فينا ، فإنّما تأمرنا بأن لا يخلق الله خلقه حاشا الله ، بل قالوا ذلك لتبيّن إبراهيم عليهالسلام أنّ كفرهم غير خلق الله ، ولو كان خلق الله ما عذّبوا عليه ولا نهوا عنه ، وقد قال الله تعالى : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) (١) فلو كان خلق الله ما بدّل وما عذّبوا إلّا على كفرهم الذي هو غير خلق الله وانّ خلق الله حكمة وصواب ، والكفر سفه وخطأ ، فثبت أنّ الحكمة غير السفه ، والخطأ غير الصواب.
ولو لا كراهة طول الكتاب وخوف ملال القارىء لأتينا على كلّ شيء ممّا يسألون عنه من المتشابه في تصحيح مذهبهم. وفيما ذكرناه كفاية ودلالة على ما لم نذكره ، على أنّا قد أودعنا كتابنا صفوة النظر من ذلك ما فيه بلاغ. والحمد لله ربّ العالمين.
فصل
معنى الهدى في المؤمن والكافر
إن سأل سائل فقال : أتقولون : إنّ الله هدى الكافر؟
قيل له : إنّ الهدى على وجهين : هدى هو دليل وبيان ، فقد هدى الله بهذا الهدى كلّ مكلّف بالغ الكافر منهم والمؤمن ، وهدى هو الثواب والنجاة فلا يفعل الله هذا الهدى إلّا بالمؤمنين المطيعين القائلين عن الله ورسوله.
فإن قال : فما الدليل على أنّ الهدى ما تقولون؟
قيل : الدليل على أنّ الهدى قد يكون بمعنى الدليل قوله تعالى في كتابه : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا
__________________
(١) سورة الروم ، الآية : ٣٠.