ـ (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٧٣)) [البقرة : ٧٢ ـ ٧٣].
[إن سأل سائل] فقال : كيف ذكر تعالى هذا بعد ذكره البقرة والأمر بذبحها؟ وقد كان ينبغي أن يتقدّمه ، لأنّه إنّما أمر بذبح البقرة لينكشف أمر القاتل ، فكيف أخّر تعالى ذكر السبب عن المسبّب ، وبنى الكلام بناء يقتضي أنّه كان بعده؟.
ولم قال : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً)، والرواية وردت بأنّ القاتل كان واحدا؟ وكيف يجوز أن يخاطب الجماعة بالقتل والقاتل بينها واحد! وإلى أيّ شيء وقعت الإشارة بقوله تعالى : (كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى)؟.
الجواب : قيل له : أمّا قوله تعالى (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً) ففيه وجهان :
أوّلهما : أن تكون هذه الآية ـ وإن أخّرت ـ فهي مقدّمة في المعنى على الآية التي ذكرت فيها البقرة ؛ ويكون التأويل : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها) فسألتم موسى فقال : إنّ الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ، فأخّر المقدم وقدّم المؤخر ؛ ومثل هذا في القرآن وكلام العرب كثير. ومثله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) قَيِّماً) (١).
وقال الشاعر :
إنّ الفرزدق صخرة ملمومة |
|
طالت ـ فليس تنالها ـ الأوعالا (٢) |
أراد : طالت الأوعال فليس تنالها.
ومثله :
طاف الخيال وأين منك لماما! |
|
فارجع لزورك بالسّلام سلاما |
أراد : طاف الخيال لماما وأين هو منك!
والوجه الثاني : أن يكون وجه تأخير قوله تعالى : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً) أنه علّق
__________________
(١) سورة الكهف ، الآيتان : ١ ـ ٢.
(٢) البيت في شرح شواهد سيبويه للأعلم (٢ / ٣٥٦).