كلّ واحد منهم آكل رغيف ، وإنّما أكلت الجماعة الرغيف وكلّ واحد منهم إنّما أكل بعضه ؛ لأنّ الرغيف يتبعّض والنفس لا تتبعض ، كما أنّ حمل الجسم الثقيل لا يتبعّض ، فما يحمله كلّ واحد من الجماعة هو الذي يحمله الآخر ، وكذلك يجب أن يكون من قتله واحد من الجماعة إذا اشتركوا في القتل هو الذي قتله كلّ واحد منهما ، وتحقيق هذا الموضع ليس من عمل الفقهاء ، ولا ممّا يهتدون إليه لفقد علمهم بأصوله فلا يجب أن يتعاطوه فيفتضحوا.
فإن قيل : قد ثبت أنّ الجماعة إذا اشتركوا في سرقة نصاب لم يلزم كلّ واحد منهم القطع ، وإن كان كلّ واحد منهم إذا انفرد بسرقته لزمه القطع ، وأيّ فرق بين ذلك وبين القتل مع الاشتراك؟ قلنا : الذي نذهب إليه وإن خالفنا فيه الجماعة ، انّه إذا اشترك نفسان في سرقة شيء من حرز وكان قيمة المسروق ربع دينار فصاعدا فإنّه يجب عليهما القطع معا ، فقد سوّينا بين القتل والقطع ، وإنّما ينبغي أن يسأل عن الفرق بين الأمرين من فرّق بينهما ، فإن قالوا : كما لم يجب على كلّ واحد من الجماعة إذا اشتركوا في قتل الخطأ دية كاملة ، لم يجب عليهم قصاص كامل ، قلنا : الديّة تتبعّض فيمكن تقسيطها عليهم ، والقصاص لا يتبعّض ... (١).
ـ (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) [البقرة : ١٨٠].
وممّا ظنّ انفراد الإمامية به ما ذهبوا إليه من أن الوصية للوارث جايزة وليس للوارث ردّها. وقد وافقهم في هذا المذهب بعض الفقهاء وإن كان الجمهور والغالب على خلافه (٢). والذي يدلّ على صحّة ما ذهبنا إليه في ذلك بعد الإجماع المتردد قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) وهذا نص في موضع الخلاف.
__________________
(١) الانتصار : ٢٦٥ وراجع أيضا الناصريات : ٣٩٣. وحيث لم يكن الأمران الآخران مشتملين على بحث تفسيري لم نذكرهما ، فراجع هذين المصدرين.
(٢) البحر الزخّار ، ٦ : ٣٠٨.