فصل في الدلالة على وقوع التحدّي بالقرآن
اعلم أنه إذا فهم معنى قولنا أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم تحدّي بالقرآن ، زال الخلاف من العقلاء فيه ؛ لأنا لا نريد بالتحدّي أكثر من أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يدعي انّه تعالى خصّه بالقرآن وأبانه به ، وأن جبرئيل عليهالسلام يهبط به ، وما في ذلك إلّا ما هو معلوم ضرورة لا يتمكّن أحد من دفعه. وهذا غاية التحدّي في المعنى ، والبعث على إظهار معارضته له فيه إن قدر عليها.
وممّا يدلّ أيضا عليه في ثبوت التحدّي : أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم بغير شبهة دعا الناس كلّهم إلى نبوّته والعمل بشريعته ، وخلع ما كانوا عليه من الأديان ، ولا بدّ فيمن ادّعى إلى مثل هذه الحال بل إلى ما هو دونها كثيرا من إظهار أمر يحتجّ به إمّا حجّة أو شبهة ، ولو عريت دعواه صلىاللهعليهوآلهوسلم من أمر يحتج به لاسرع القوم إلى مطالبته بما يقتضي تصديقه ، ولقالوا له : من أين نعلم أنك صادق في الرسالة ولم تدّع برهانا ولا علما ، لا سيّما مع شدّة عداوتهم وعزّة نفوسهم وثقل وطأته عليهم ، فإذا لم يكن منهم شيء من ذلك دلّ على أنه يحتجّ بالقرآن مضيف الابانة إليه.
ولو لم يكن محتجا بشيء كيف استجاب له من استجاب من الفصحاء والفضلاء ، وما جرت العادة أن يستجيب مثل هؤلاء إلّا بحجّة أو شبهة ، وفي تصديقهم دعوته بلا حجّة ولا شبهة خرق للعادة ، كما أن في إمساك أعدائه عن مطالبته بحجّة فيما ادّعاه من النبوّة خرق للعادة.
وإذا ثبت بما ذكرناه أنه لا بدّ من تعلّقه فيما ادعاه من النبوّة بأمر يدعي الابانة به والتميز ، فلا يمكن أن يشار إليه في ذلك إلّا وحال القرآن أظهر منه وأوضح.
على أنه لا شيء من معجزاته صلىاللهعليهوآلهوسلم سوى القرآن إلّا وقد تقدّمه ادعاؤه للنبوّة ، وإلزام الخلق الدخول تحت شرائعه ، فلا يجوز أن يكون ما تأخّر عن الدعوى هذا التأخّر هو الحجّة فيها ، والقرآن يتقدّم ذلك كلّه.
ومن المعتمد في وقوع التحدّي أن القرآن قد ثبت صحّة نقله ، والعلم بأن