١ ـ المذاهب العلمية في بغداد :
لقد كانت الغالبية في بغداد أيّام السيّد المرتضى تعمل وفق المذاهب السنية فقهيّا وكان المذهب الحنبلي المذهب الأكثر اتّباعا من بين هذه المذاهب فيما كان الفكر العقائدي المتّبع في بغداد هو الفكر المعتزلي.
لقد تكوّنت المدارس الفقهية السنية على أساس القرآن والأخبار الّتي وردت عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وكذا الإجماع فيما كانت بعض المذاهب تضيف إليها القياس والاستحسان كمنهج للاستنباط الفقهي. لكن المناهج الكلاميّة كانت تنقسم إلى قسمين مهمّين هما المعتزلة والأشاعرة والّذين كان لكلّ منهم اعتقاداته الخاصّة (١).
وكانت المعتزلة تشدّد في اعتمادها العدل ، والعقل ، والاستطاعة (الاختيار والحكمة) لتعليل أفعال الباري بكونها ذات أغراض وفي مقابل هذا المنحى كان هناك الأشاعرة الّذين يقفون بشدّة بوجه هذا التوجّه الّذي كانت تعتمده المعتزلة ، فقد رفض الأشاعرة المستقلّات العقليّة وكانوا يعتقدون بالحسن والقبح الشرعي وكان تفسيرهم للتوحيد الأفعالي السبب في قبول الجبر في أفعال العباد وإنكار وجود تعليل لأفعال الباري (٢).
لقد أطلق على المعتزلة «العدليّة» ولم تكن هذه الكلمة ممثّلة للعدل وحسب ، فإضافة لمفهوم العدل الّذي كانت تتبناه المعتزلة كان يفهم منها العقائد المذكورة أعلاه.
إنّ ما كان يورده الأشاعرة على المعتزلة هو كون أصل العدل يتنافي مع التوحيد الأفعالي بل يتنافي مع التوحيد الذاتي ؛ لأنّ الاختيار عند المعتزلة هو نوع تفويض أي سلب الاختيار عن ذات الحقّ.
__________________
(١) لقد كانت هناك مدارس أخرى مثل الماتريدية ، والأباظيّة والصوفيّة و... في ذلك العصر. لكن المذهبين الأشعري والمعتزلي كانا يمثلان المذهبين المهمين في تلك الفترة.
(٢) راجع لتفصيل الأقوال إلى كتاب الملل والنحل ، للعلّامة الفقيه الشيخ جعفر السبحاني.