فأما قوله : على الطريقة الأخرى : «إن الذي له أوجب في الرسول أن يكون منزّها عن الكفر والكبائر كونه حجّة فيما تحمله ، وإن الإمام بخلافه وأنه بمنزلة الأمير والحاكم» فقد بيّنا فيما تقدّم أن الإمام أيضا حجّة وأنه يرجع إليه في أمور لا تعلم إلّا من جهته ، وبيّنا أن النقل الوارد بأحكام الشريعة قد يجوز أن يتغيّر حاله فيخرج من أن يكون حجّة على وجه لا يكون المفزع فيه إلّا إلى قول الإمام ، فيجري قوله ـ والحال هذه ـ في أنه حجّة لا يقوم غيره مقامه فيها ، مجرى قول الرسول (١) ، وبيّنا الفرق بين الإمام والحاكم والأمير ، وأن الحاكم والأمير ليسا هما حجّة في شيء ، ولا يجوز أن يكونا حجّة على وجه من الوجوه ، وأوضحنا ذلك إيضاحا يغني عن إعادته (٢) ، فإذا وجب عند صاحب الكتاب كون الرسول منزّها عن الكفر والكبائر قبل بعثته ؛ لأنّه حجّة فيما يتحمله ، فيجب أيضا أن يكون الإمام منزّها عن القبائح قبل إمامته ؛ لأنّه حجّة فيما يؤديه ويعرف من جهته ، وهذا بيّن لمن تدبّره (٣).
ـ (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة : ١٢٧].
أنظر التكوير : ٨ ، ٩ من الأمالي ، ٢ : ٢٤٠.
ـ (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [البقرة : ١٢٩].
ويوصف تعالى بأنه «عزيز» ، ومعناه أنه يقتدر على الأمور لا يلحقه منع ولا ذلّة ولا اهتضام. وقد وصفوا الأرض الصّلبة بأنها عزاز لشدّتها وامتناعها ، وشبهوها
__________________
(١) راجع الشافي ، ١ : ١٠٢.
(٢) راجع الشافي ، ١ : ٢٩٦ ؛ فإن القاضي نقض وجوب العصمة في الإمام بالأمير من قبله ، وانها إذا وجبت في الإمام وجبت في الأمير بنفس الدليل والحال بخلافه ؛ فأجاب عنه السيّد بأنّ عدم عصمة الإمام يؤدى إلى التسلسل فلا بدّ أن يكون هناك إمام معصوم يرجع إليه من ليس كذلك وهذا هو اللطف ، وهذا بخلاف الأمير ؛ فإن إمامه هو إمام الكلّ ورئيس الجميع.
(٣) الشافي في الإمامة وإبطال حجج العامّة ، ٣ : ١٣٧.