وأقوى ما أبطل به قول النّظّام أن الخبر مع الأسباب الّتي يذكرها لو حصل عندها العلم ـ كما ادّعى ـ لما جاز انكشافه عن باطل ، وقد علمنا أنّ الخبر عن موت إنسان بعينه مع حصول الأسباب الّتي يراعيها من البكاء عليه والصراخ وإحضار الجنازة والأكفان قد ينكشف عن باطل ، فيقال : إنّه أغمي عليه ، أو لحقته السكتة ، أو ما أشبه ذلك ، والعلم لا يجوز انكشافه عن باطل. ويلزم على هذه الطريقة الفاسدة أن يجوز أن لا يقع العلم بالتواتر لفقد هذه الأسباب ، فكنّا نصدّق من خبّرنا بأنّه لا يعلم شيئا بالأخبار بأن لا تكون الأسباب حاصلة. وأمّا إلزام النّظّام أنّه لو أوجب خبر الواحد العلم في موضع ، لأوجبه في كلّ موضع ، فكان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يستغني عن علم معجز ، والحاكم متى لم يعلم صدق المدّعي ضرورة ، أن يعلم أنّه كاذب ، فإنّ ذلك لا يلزمه ؛ لأنّ له أن يقول : من أين لكم أن كلّ خبر يجب عنده العلم؟ بل لا بدّ من وجوب ذلك عند أمثاله. ثمّ العلم عند النّظّام لا يجب عند مجرّد الخبر ، بل عنده وعند أسباب يذكرها ، وليس مثل ذلك في خبر مدّعي النبوّة ، ولا في الحاكم.
فأمّا من يقول : إنّه يقتضي العلم الظّاهر فخلافه في عبارة ؛ لأنّه سمّى غالب الظّنّ علما.
وأمّا من جعل العلم تابعا للعمل فقوله باطل ؛ لأنّه عكس الشيء ، والعمل يجب أن يتبع العلم لا أن يتبع العلم العمل ، وقد وجب العمل بأخبار كثيرة من غير حصول العلم كالمخوّف من سبع في طريق والشهادات وغيرها.
[الثّامن] : فصل في ذكر الدّلالة على جواز التعبّد بالعمل بخبر الواحد
إعلم أنّ في المتكلّمين من يذهب إلى أنّ خبر الواحد لا يجوز من جهة العقل ورود العبادة بالعمل به ، والصحيح أنّ ذلك جائز عقلا ، وإن كانت العبادة ما وردت به على ما سنبيّنه في الباب الّذي يلي هذا الباب بمشيّة الله تعالى.