فصل
عود على بدء في معنى الهدى
فإن سأل سائل فقال : ما معنى قوله : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) (١).
قيل له : معنى ذلك إنّك لا تنجي من العذاب من أحببت ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان حريصا على نجاة أقاربه بل كلّ من دعاه.
فإن قيل : فلم زعمتم أنّ هذا هو تأويل الآية؟ قيل له : لمّا كان الله قد هداهم بأن دلّهم على الإيمان ، علمنا أنّه لم يهدهم بهدى الثواب ، وقد بيّن الله تعالى أنّ الهدى بمعنى الدليل قد هداهم به ، فقال : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) (٢) يعني الدلالة والبيان.
فإن قيل : فما معنى قوله (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ)؟ (٣) قيل له : إنّما أراد به ليس عليك نجاتهم ، ما عليك إلّا البلاغ ولكن الله ينجي من يشاء.
فإن قيل : فلم قلتم هذا؟ قيل له : لمّا أخبر الله تعالى أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد هدى الكافر فقال : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٤) وإنّما يريد إنّك تدلّ ، فلمّا كان قد دلّ المؤمن والكافر كان قد هدى الكافر والمؤمن ، فعلمنا أنّه أراد بهذه الآية هدى الثواب والنجاة ، فقس على ما ذكرناه جميع ما يسأل عنه من أمثال هذه الآية.
باب
الكلام في الارادة وحقيقتها
فإن سأل سائل فقال : أتقولون : إنّ الله تعالى أراد الإيمان من جميع الخلق المأمورين والمنهيين أو أراد ذلك من بعضهم دون بعض؟ قيل له : بل أراد ذلك
__________________
(١) سورة القصص ، الآية : ٥٦.
(٢) سورة النجم ، الآية : ٢٣.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ٢٧٢.
(٤) سورة الشورى ، الآية : ٥٢.