المقتول عند ضربه ببعض أعضاء البقرة ؛ لأنّه روي أنّه قام حيّا وأوداجه تشخب دما ، فقال : قتلني فلان! ونبّه الله تعالى بهذا الكلام وبذكر هذه القصة على جواز ما أنكره مشركو قريش واستبعدوه من البعث وقيام الأموات ؛ لأنّهم قالوا : (أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) (١) فأخبرهم الله تعالى بأنّ الذي أنكروه واستبعدوه هيّن عليه ، غير متعذّر في اتّساع قدرته. وكان ممّا ضرب تعالى لهم من الأمثال ، ونبّههم عليه من الأدلّة ذكر المقتول الذي ضرب ببعض البقرة فقام حيا. وأراد تعالى : أنّني إذا كنت قد أحييت هذا المقتول بعد خروجه عن الحياة ، ويئس قومه من عوده وانطواء خبر كيفية قتله عنهم ، ورددته حيا مخاطبا باسم قاتله ؛ فكذلك فاعلموا أنّ إحياء جميع الأموات عند البعث لا يعجزني ولا يتعذر عليّ. وهذا بيّن لمن تأمّله (٢).
ـ (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) [البقرة : ٧٤].
[إن سأل سائل] فقال : ما معني «أو» هاهنا؟ وظاهرها يفيد الشكّ الذي لا يجوز عليه تعالى.
الجواب : قلنا في ذلك وجوه :
أوّلها : أن تكون «أو» هاهنا للإباحة كقولهم : جالس الحسن أو ابن سيرين ؛ والق الفقهاء أو المحدّثين ، ولم يريدوا الشكّ ؛ بل كأنّهم قالوا : هذان الرجلان أهل للمجالسة ، وهذا القبيلان من العلماء أهل للّقاء ؛ فإن جالست الحسن فأنت مصيب ، وإن جالست ابن سيرين فأنت مصيب ، وإن جمعت بينهما فكذلك.
فيكون معنى الآية على هذا : إنّ قلوب هؤلاء قاسية متجافية عن الرّشد والخير ، فإن شبّهتم قسوتها بالحجارة أصبتم ، وإن شبّهتموها بما هو أشدّ أصبتم ، وإن شبّهتموها بالجميع فكذلك.
وعلى هذا يتأوّل قوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) (٣) ، لأنّ «أو» لم
__________________
(١) سورة الأسراء ، الآية : ٤٩.
(٢) الأمالي ، ٢ : ١٩٢.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ١٩.