يرد بها الشكّ بل على نحو الذي ذكرناه ، من أنّكم إن شبّهتموهم بالذي استوقد نارا فجائز ، وإن شبّهتموهم بأصحاب الصّيب فجائز ، وإن شبّهتموهم بالجميع فكذلك.
وثانيها : أن تكون «أو» دخلت للتفصيل والتمييز ، ويكون معنى الآية : إنّ قلوبهم قست ، فبعضها ما هو كالحجارة في القسوة ، وبعضها ما هو أشدّ قسوة منها.
ويجرى ذلك مجرى قوله تعالى : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) (١) معناه : وقال بعضهم : كونوا هودا ـ وهم اليهود ـ وقال بعضهم : كونوا نصارى ـ وهم النصارى ـ فدخلت «أو» للتفصيل.
وكذلك قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) (٢) معناه فجاء بعض أهلها بأسنا بياتا ، وجاء بعض أهلها بأسنا في وقت القيلولة.
وقد يحتمل قوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) هذا الوجه أيضا ، ويكون المعني أنّ بعضهم يشبه الذي استوقد نارا ، وبعضهم يشبه أصحاب الصيّب.
وثالثها : أن يكون «أو» دخلت على سبيل الإبهام فيما يرجع إلى المخاطب ، وإن كان الله تعالى عالما بذلك غير شاكّ فيه ، لأنّه تعالى لم يقصد في إخبارهم عن ذلك إلّا التفصيل ؛ بل علم «عزوجل» أنّ خطبهم بالإجمال أبلغ في مصلحتهم ، فأخبر تعالى أنّ قسوة قلوب هؤلاء الذين ذمّهم كالحجارة أو أشدّ قسوة ، والمعنى أنّها كانت كأحد هذين لا يخرج عنهما.
ويجري ذلك مجرى قولهم : ما أطعمتك إلّا حلوا أو حامضا ، فيبهمون على المخاطب ما يعلمون أنّه لا فائدة في تفصيله ؛ والمعنى : ما أطعمتك إلّا أحد هذين الضّربين.
وكذلك يقول أحدهم : أكلت بسرة أو ثمرة ؛ وهو قد علم ما أكل على التفصيل إلّا أنّه أبهمه على المخاطب ، قال لبيد :
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ١٣٥.
(٢) سورة الأعراف ، الآية : ٤.