فإن قيل : فما أنكرتم أن تكون الجماعة إذا بلغت إلى الحدّ الّذي ذكرتم وقع العلم الضروري عند خبرهم ، وبطل الاستدلال على صدقهم بما رتّبتموه.
قلنا : قد بيّنّا أنّه لا طريق إلى القطع على أنّ العلم الضروريّ يقع عند شيء من مخبر الأخبار. ثمّ لو سلّمنا ما يذهب إليه مخالفونا في العلم الضروري الواقع عند الإخبار ، لم يمتنع أن يستدلّ بالتواتر على بعض الوجوه ، بأن يكون العدد الّذي أجرى الله تعالى العادة بأن يفعل عنده العلم الضروري لم يتكامل في بعض الجماعات. فإن علمنا بالدليل أنّ خبرهم لا يكون إلّا صدقا فيمكن على هذا التقدير أن يكون التواتر دليلا يفضي إلى العلم. فالصحيح ما أشار إليه أبو هاشم من التوقّف على ذلك ، وترك القطع على حصول العلم الضروري لا محالة.
وممّا يلحق من الأخبار بما يعلم صدقه بدليل إخبار الله تعالى فإنّا نعلم كونه صدقا ، من حيث علمنا أنّه تعالى لا يختار الكذب ، لعلمه بقبحه ، وبأنّه غنيّ عنه ، كما لا يفعل سائر القبائح.
ويلحق بذلك أيضا خبر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنّا قد علمنا بالمعجز صدقه في إخباره ، وأنّ شيئا من القبائح لا يجوز عليه ، وكلّ ذلك معلوم بالدليل.
[فيما يلحق من الأخبار بما يعلم صدقه بدليل]
وممّا يلحق أيضا بهذا الباب خبر الأمّة كلّها إذا أخبرت عن شيء ، فالواجب أن يعلم كونه صدقا ؛ لأنّ الدليل قد دلّ عندنا أنّ في جملة الأمّة في كلّ زمان من قوله حجّة لعصمته ، وتفصيل هذه الجملة يجي في باب الكلام في الإجماع بمشيّة الله تعالى.
وقد ألحق قوم بهذا الباب أن يخبر الواحد عن شيء شاهده ويدعي على جماعة لم تجر العادة بالإمساك عن تكذيب من يدّعي عليها مشاهدة ما لم تشاهده.
وهذا غير صحيح ؛ لأنّه غير ممتنع أن يكون لهذه الجماعة دواع وبواعث