[الثاني] : فصل في أن في الأخبار ما يحصل عنده العلم
اعلم أنّ أصحاب المقالات حكوا عن فرقة تعرف بالسمنيّة (١) إنكار وقوع العلم عند شيء من الأخبار ، وأنّهم يقصرون العلم على الإدراك دون غيره.
والّذي يدلّ على بطلان هذا المذهب أنّا نجد من سكون نفوسنا إلى اعتقاد وجود البلدان الكبار والحوادث العظام ما نجده عند المشاهدات ، فمن تشكّك في أنّ ذلك علم يقين كمن تشكّك في الآخر ، ومن ادّعى أنّه ظنّ قويّ كمن ادّعاه في الأمرين. والأشبه ـ إن كانت هذه الحكاية حقّا ـ أن يكون من خالف في ذلك إنّما خالف في الاسم دون المعنى ، واشتبه عليه العلم بالظنّ ، كما نقوله في السوفسطائيّة. وهذا القدر كاف.
[الثالث] : فصل في أقسام الأخبار
إعلم أنّ الأخبار تنقسم إلى ثلاثة أقسام : أوّلها : يعلم أنّ مخبره على ما تناوله. وثانيها : يعلم أنّ مخبره ليس على ما تناوله. وثالثها : يتوقّف فيه.
وما يعلم أنّ مخبره على ما تناوله على ضربين :
أحدهما : يعلم ذلك من حاله باضطرار ، ومثاله بغير خلاف خبر من أخبرنا بأنّ السماء فوقنا والأرض تحتنا ، ومن أمثلتهم ـ على الخلاف الّذي فيه وسنذكره ـ الإخبار عن البلدان الكبار والحوادث العظام.
والآخر : أن يعلم أنّ مخبره على ما تناوله باكتساب ، كالخبر المتواتر وخبر الله تعالى وخبر رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم وخبر الأمّة بأجمعها. وقد ألحق قوم بهذا القسم
__________________
(١) بضمّ السين ، قوم بالهند يعبدون الأصنام ويقولون بالتناسخ وينكرون حصول العلم بالأخبار وأنه لا معلوم إلّا من جهة الحواس الخمس وانكر أكثرهم المعاد والبعث وكانوا يعتقدون بأن أعظم الأمور الّتي لا تحل ولا يسع الإنسان أن يعتقدها ولا يفعلها قول : «لا» في الأمور كلّها فإنّها من فعل الشيطان انظر المواقف للأيجي ، ١ : ١٣٠.