وقال : (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) (١) وقال : (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) (٢) يعني من تاب.
فهذا الهدى وما أشبهه لا يفعله الله إلّا بالمؤمنين القائلين بالحقّ ، فأمّا قرين الدليل فقد هدى الله الخلق أجمعين. وكلّما سئلت عن آية من الهدى من الله تعالى فردّها إلى هذين الأصلين ؛ فانّه لا يخلو من أن يكون على ما ذكرناه ، ولو لا كراهة التطويل لسألنا أنفسنا عن آية آية ممّا يحتاج إلى البيان ، وفي هذه الجملة دليل على ما نسأل عنه.
فصل
حقيقة الاضلال منه سبحانه
فإن قيل : أفتقولون انّ الله تعالى أضلّ الكافرين؟ قيل له : نقول : إنّ الله أضلّهم بأن عاقبهم وأهلكهم عقوبة لهم على كفرهم ، ولم يضلّهم عن الحقّ ولا أضلّهم بأن أفسدهم ، جلّ وعزّ عن ذلك.
فإن قالوا : لم زعمتم أنّ الضلال قد يكون عقابا؟ قيل لهم : قد قال الله تعالى : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) (٣) يعني في هلاك ، وسعر يعني سعر النار فيهم ، إذ ليس في ضلال هو كفر أو فسق ، لأنّ التكليف زائل في الاخرة ، وقد بيّن الله تعالى من يضلّ فقال : (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) (٤) وقال : (يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ) (٥) وقال : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) (٦) وقال : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ) (٧).
ثمّ أوضح الأمر وخبّر أنّه لا يضلّ إلّا بعد إقامة الحجّة ، فقال : (وَما
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية : ١٦.
(٢) سورة الرعد ، الآية : ٢٧.
(٣) سورة القمر ، الآية : ٤٧.
(٤) سورة إبراهيم ، الآية : ٢٧.
(٥) سورة غافر ، الآية : ٧٤.
(٦) سورة البقرة ، الآية : ٢٦.
(٧) سورة غافر ، الآية : ٣٤.