بين الكافر والمؤمن في باب الولاية ، وهو المتولّي لفعل الأمرين فيهما؟ ومثل هذا لا يذهب على أحد ، ولا يعرض عنه إلّا معاند مغالط لنفسه (١).
ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [البقرة : ٢٥٨].
[فان قيل :] هذا يدلّ على إنقطاع إبراهيم عليهالسلام وعجزه عن نصرة دليله الأول ولهذا انتقل إلى حجة أخرى ، وليس ينتقل المحتجّ من شيء إلى غيره إلّا على وجه القصور عن نصرته.
الجواب : قلنا ليس هذا بانقطاع من إبراهيم عليهالسلام ولا عجز عن نصرة حجّته الأولى ، وقد كان إبراهيم عليهالسلام قادرا لمّا قال له الجبّار الكافر : أنا أحيي وأميت في جواب قوله : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ)، ويقال : إنّه دعا رجلين فقتل أحدهما واستحى الآخر ، فقال عند ذلك : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ). وموّه بذلك على من بحضرته على أن يقول له : ما أردت بقولي : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) ما ظننته من استبقاء حيّ ، وإنّما أردت به انّه يحيي الميت الّذي لا حياة فيه إلّا أنّ إبراهيم عليهالسلام علم أنّه إن أورد ذلك عليه التبس الأمر على الحاضرين وقويت الشبهة ؛ لأجل اشتراك الاسم ، فعدل إلى ما هو أوضح ، وأكشف وأبين وأبعد من الشبهة ، فقال : (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) ولم يبق عنده شبهة.
ومن كان قصده البيان والإيضاح فله أن يعدل من طريق إلى آخر لوضوحه وبعده عن الشبهة ، وإن كان كلا الطريقين يفضي إلى الحق ، على انّه بالكلام الثاني ناصر للحجّة الأولى وغير خارج عن سنن نصرتها ؛ لأنّه لمّا قال : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ)، فقال له في الجواب : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)، فقال له إبراهيم : من شأن هذا الّذي يحيي ويميت أن يقدر على أن يأتي بالشمس من
__________________
(١) الأمالي ، ٢ : ١٤.