المؤمن الذي ثبت كونه مؤمنا يخرج من الظلمة إلى النور ؛ ولو حمل على الإيمان والكفر لتناقض المعنى ، ولصار تقدير الكلام : أنّه يخرج المؤمن الذي قد تقدّم كونه مؤمنا من الكفر إلى الإيمان ؛ وذلك لا يصحّ.
وإذا كان الكلام يقتضي الاستقبال في إخراج من ثبت كونه مؤمنا كان حمله على دخول الجنة والعدول به عن طريق النار أشبه بالظاهر.
على أنّا لو حملنا الكلام على الإيمان والكفر لصحّ ، ولم يكن مقتضيا لما توهّموه ، ويكون وجه إضافة الإخراج إليه تعالى ـ وإن لم يكن الإيمان من فعله ـ من حيث دلّ وبيّن وأرشد ولطّف وسهّل ؛ وقد علمنا أنه لولا هذه الأمور لم يخرج المكلّف من الكفر إلى الإيمان ، فيصحّ إضافة الإخراج إليه تعالى لكون ما عددناه من جهته. وعلى هذا يصحّ من أحدنا إذا أشار على غيره بدخول بلد من البلدان ورغّبه في ذلك ، وعرّفه ما فيه من الصلاح ، أو بمجانبة فعل من الأفعال أن يقول : أنا أدخلت فلانا البلد الفلانيّ ، وأنا أخرجته من كذا وأنتشته منه ؛ ويكون وجه الإضافة ما ذكرناه من الترغيب ، وتقوية الدواعي.
ألا ترى أنّه تعالى قد أضاف إخراجهم من النور إلى الظلمات ، إلى الطواغيت ، وإن لم يدلّ ذلك على أنّ الطاغوت هو الفاعل للكفر في الكفّار ؛ بل وجه الإضافة ما تقدّم ؛ لأنّ الشياطين يغوون ويدعون إلى الكفر ، ويزيّنون فعله ، فتصحّ إضافته إليهم من هذا الوجه ، والطاغوت هو الشيطان وحزبه ، وكلّ عدو لله تعالى صدّ عن طاعته ، وأغرى بمعصيته يصحّ إجراء هذه التّسمية عليه ؛ فكيف اقتضت الإضافة الأولي أنّ الإيمان من فعل الله تعالى في المؤمن ، ولم تقتض الإضافة الثانية أنّ الكفر من فعل الشياطين في الكفّار ؛ لولا بله المخالفين وغفلتهم!.
وبعد ، فلو كان الأمر على ما ظنّوه لما صار الله تعالى وليّا للمؤمنين ، وناصرا لهم على ما اقتضته الآية ، والإيمان من فعله تعالى لا من فعلهم ؛ ولم كان خاذلا للكفّار ومضيفا لولايتهم إلى الطاغوت ، والكفر من فعله تعالى فيهم؟ ولم فصل