القطع على أحد الأمرين. ويكون لكلّ جملة حكم نفسها إذا لم يتعلّق كلّ واحدة بالأخرى هذا التعلّق ، مثل أن يقول القائل : «ضربت القوم ، وأكرمت العلماء» فأمّا إذا قال بعد ذكر المطلّقات : (وَبُعُولَتُهُنَ) فالظاهر يقتضي أنّ الكناية عائدة إلى كلّ من تقدّم ذكره ، والصفة تكشف عمّا قلناه ، فإنّ القائل إذا قال : «اضرب الرجال السودان» فهذه الصفة تعود إلى جميع الرجال ، ولا يجوز أن يحمل محصّل الصفة بالسودان على أنّها لبعض الرجال المضروبين ، وأنّ لفظ الرجال على عمومه ؛ لأنّه لا فرق بين أن يقول : «اضرب الرجال السودان» وبين أن يقول : «اضرب سودان الرجال» فمتى حمل هذا اللّفظ على أنّ المراد به اضرب الرجال الذين السودان بعضهم وجعل لفظ الرجال عامّا ؛ فذلك جار مجرى أن يحمل قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) على أنّ المراد به إلّا أن يعفو بعضهنّ في أنّه عدول عن الظاهر ، وإن كان في الصفة أقبح وأفحش ، فأمّا الاستثناء فتعليقه ببعض ما تناوله العموم الصحيح أنّه جائز لا يقتضى تخصيص العموم ، والقضاء بأنّه ما أريد به إلّا الجنس الّذي تناول الاستثناء بعضه ؛ لأنّ القائل إذا قال : «اضرب الرجال إلّا فلانا الأسود» فلفظ الرجال عامّ في البيضان والسودان ، وإن كان الاستثناء خاصّا ، وإنّما الإشكال هو في الشرط والصفة ، وقد قلنا ما عندنا في ذلك ، وبسطناه (١).
ـ (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) [البقرة : ٢٣٨].
وممّا ظنّ انفراد الإمامية به القول بأنّ القنوت في كلّ صلاة والدعاء فيه بما أحبّ الداعي مستحب وهو قول الشافعي ؛ لأنّ الطحاوي حكى عنه في كتاب الاختلاف أنّ له أن يقنت في الصلوات كلّها عند حاجة المسلمين إلى الدعاء (٢) ، والحجّة لنا مضافا إلى الاجماع قوله جلّ ثناؤه : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) فإذا قيل : القنوت هاهنا هو القيام الطويل ، قلنا : المعروف في الشريعة أنّ هذا الاسم يختصّ بالدعاء ، ولا يعرف من إطلاقه سواه ، وبعد فانّا نحمله على الأمرين (٣).
__________________
(١) الذريعة ، ١ : ٢٩٨.
(٢) المحلّى ، ٤ : ١٤٥ و ١٤٦.
(٣) الانتصار : ٤٦ وراجع أيضا الناصريات : ٢٣٠.