بأنّ لها نصف المهر من هذه الآية ، فهي عامّة في المطلّقات ، وإن اختصّ الشرط.
قلنا : إن كانت الأمّة قد أجمعت على ذلك ، فاجماعها دليل يثبت به أحد المحتملين ، وقد قلنا : إنّ الخطاب محتمل للأمرين معا.
على أنّ الأمّة إنّما أجمعت في كلّ مطلّقة طلّقت قبل الدخول بأنّ لها نصف المهر ، وإجماعها على هذا الحكم حجّة ، وإن لم يكن مستفادا من عموم الآية ، فمن أين رجوعهم في عموم هذا الحكم إلى عموم لفظ الآية؟
فأمّا المثال الثاني من قوله تعالى : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ)، وأنّه عامّ في المطلّقات كلّهنّ ، وان اختصّ الشرط الّذي هو قوله تعالى : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) فإنّه لا يليق إلّا بالرجعيّة ، فالكلام في هذه الآية كالكلام في الّتي قبلها ، فلا معنى لإعادته.
وذهب من أشرنا إليه أيضا إلى أنّ الجملتين إذا عطف إحديهما على الأخرى ؛ فخصوص إحديهما لا يقتضي خصوص الأخرى ، مثل قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) إلى قوله تعالى : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) (١) فالجملة الثانية خاصّة ؛ لأنّها لا تليق إلّا بالرجعية ، والأولى عامّة في كلّ مطلّقة ، والشبهة في ذلك أنّ كلّ جملة لها حكم نفسها ، ولا يتعدّى إليها التخصيص من غيرها.
والصحيح أن يجري الكلام في هذه الآية مجرى ما تقدّم ، ونقول : إنّ قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ) يحتمل أن يريد به الرجعيّات ، ليطابق الجملة الثانية ، ويحتمل أن يريد به العموم ، ويكون تقدير الكلام وبعولة بعضهنّ أحقّ بردّهنّ ؛ لأنّ في كلا الأمرين وجها من المجاز والعدول عن الظاهر ، فلا بدّمن دليل يقتضي القطع على أحد الأمرين. وإنّما كان يترجّح حمل الأوّل على عمومه لو لم يكن في الثاني تجوّز وعدول عن الظاهر ، فلا بدّ من دليل يقتضي
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٢٨.