إخوانكم فلا يغني شيئا ؛ لأنّ ذلك مجاز لا محالة ؛ وإنّما حمل على الإخوان بدليل. والظاهر أن يكون تكليفا لقتل الواحد نفسه ، وسلامة على نفسه.
فإن قيل : كيف يجوز أن يستحقّ القتل بعد التوبة من الوجوه التي بها استحقّ القتل؟.
قلنا : غير ممتنع أن يكلّفنا الله تعالى ـ بعد التوبة من الكفر ـ القتل امتحانا ؛ لا على سبيل العقوبة.
فإن قيل : كيف يصح أن تكون التوبة نفسها قتل أنفسهم ؛ والتوبة هي الندم والعزم ، وهما غير القتل!.
قلنا : الجواب الصحيح عن السؤال أن الفاء في الآية عاطفة للقتل على التوبة ، وليست بمنبئة أنّ القتل هو التوبة على ما ظنّه بعض من لم يتأمّل. وهو جار مجرى قوله : ضربت زيدا فعمرا ؛ فالفاء هاهنا عاطفة وقائمة مقام الواو ؛ إلّا أن لها زيادة على حكم الواو ، فإنّ الفاء تقتضي الجمع الذي تقتضيه الواو ، وتقتضي الترتيب والتعقيب اللذين لا يفهمان من الواو ؛ فكأنّه تعالى قال : فتوبوا إلى بارئكم واقتلوا أنفسكم ؛ فلمّا أمرهم بالقتل عقيب التوبة ؛ أدخل الفاء التي هي علامة على ذلك.
وقد أجاب بعض الناس بأن قال : ما لا تتمّ التوبة إلّا به ، ومعه يصحّ أن يسمّى باسمها ؛ كما يقال للغاصب إذا عزم على التوبة : إنّ توبتك ردّ ما غصبت ؛ وإنّما يريد : أنّ توبتك لا تتمّ إلّا به. وقد بيّنّا ما يغني عن ذلك في الجواب الذي اخترناه ، وهو أولى وأوضح (١).
ـ (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) [البقرة : ٥٥].
أنظر الاعراف : ١٤٣ من الأمالي ، ١٨٥ : ٢.
ـ (اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) [البقرة : ٦١].
__________________
(١) الأمالي ، ٢ : ٣١٠.