وأيضا : فان مقادير الأزمنة للعبادات لا تعلم إلّا بالنصّ وطريقة العلم ، وما تقوله الإمامية من الزمان مستند إلى ما هذه صفته ، وما يقول مخالفها يستند إلى طريقة الظنّ ، والظنّ لا مجال له فيما جرى هذا المجرى ، فتعلّق مالك بأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إعتكف في العشر الأواخر (١) ليس بشيء ؛ لأنّ اعتكافه صلىاللهعليهوآلهوسلم عشرة أيام لا يدلّ على أنّه لا يجزي أقلّ منها ، وتعلّق من حدّه بيوم واحد أو أقلّ من ذلك بقوله تعالى : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) وان الظاهر يتناول الزمان الطويل والقصير غير صحيح ؛ لأنّ الاعتكاف إسم شرعي ، ومن ذهب إلى أنّه ما انتقل في الشرع ، وأنّه اسم للبث المقصود بالعبادة يجعل له شروطا شرعية تراعى في إجراء الاسم عليه ، فلا بد من الرجوع إلى الشرع في الاسم أو في شروطه ، والله تعالى نهى عن المباشرة مع الاعتكاف ، فمن أين لهم أنّه ما يكون في أقلّ من ثلاثة أيام يتناوله هذا الاسم وتحصل له الشروط الشرعية فلا دلالة إذا في هذا الظاهر (٢).
ـ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [البقرة : ١٨٩].
[فيها أمور :
الأوّل : استدلّ السيّد بهذه الآية على اعتبار الاهلة في المواقيت دون العدد ، قال :] وهذا نصّ صريح كما ترى بأنّ الأهلة هي المعتبرة في المواقيت والدالّة على الشهور ؛ لأنّه علّق بها التوقيت.
فلو كان العدد هو الذي يعرف به التوقيت ، محض العدد بالتوقيت دون رؤية الأهلة ، إذ لا معتبر برؤية الأهلة في المواقيت على قول أصحاب العدد (٣).
[ثمّ نقل رحمهالله كلاما عن صاحب الكتاب (٤) يناقش فيه القول باعتبار الرؤية وأجاب عنه ، وهو كما يلي :]
__________________
(١) صحيح البخاري ، ٣ : ٦٢.
(٢) الانتصار : ٧٣.
(٣) الرسائل ، ٢ : ٢٠.
(٤) أي الّذي كتب السيّد هذه الرسالة ردّا عليه.