ثمّ قال صاحب الكتاب : مسألة أخرى لهم وجوابها ثمّ قال : وسئلوا عن قول الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ).
وأجمع الكافة على أنّها شهور قمرية ، قالوا : فما الذي أجاز لكم الاعتبار بغير القمر ، وهل انصرافكم إلى العدد إلّا خلاف الإجماع.
ثم قال : الجواب يقال لهم : ما ورد به النصّ وتقرّر عليه الاجماع ، فهو مسلّم على كلّ حال ، لكن وجود الاتفاق على أنّ الهلال ميقات لا يحيل الاختلاف فيما يعرف به الميقات ، وحصول الموافقة على أنّها شهور قمرية لا تضادّ الممانعة في الاستدلال عليها بالرؤية.
إذ ليس من شرط المواقيت اختصاص العلم من جهة مشاهدتها ، ولا لأنّ الشهور العربية قمرية ، وجب الاستدلال لأوائلها برؤية أهلّتها. ولو كان ذلك واجبا لدلّت العقول عليه وشهدت بقبح الاختلاف فيه.
وبعد فلا يخلو الطريق إلى معرفة هذا الميقات من أن تكون المشاهدة له والعيان ، أو العدد الدالّ عليه ، والحساب.
ومحال أن تكون الرؤية هي أولى بالاستدلال لما يقع فيها من الاختلاف والشكّ ، وذلك أنّ رؤية الهلال لو كانت تفيد معرفة له من الليالي والأيام ، لم يختلف فيه عند رؤيته اثنان.
وفي إمكان وجود الاختلاف في حال ظهوره ، دلالة على أنّ الرؤية لا يصحّ بها الاستدلال ، وأنّ العدد هو الدالّ على الميقات ، لسلامته ممّا يلحق الرؤية من الاختلاف.
يقال له : هذه الآية التي ذكرتها دليل واضح على صحّة القول بالرؤية وبطلان العدد ، وقد بيّنا في صدر كتابنا هذا كيفية الاستدلال بها ، وأنّ تعليق المواقيت بالأهلّة دليل على أنّها لا تتعلّق بالعدد ولا بغير الأهلّة.
وقوله : «إنّ وجود الاتفاق على أنّ الأهلة ميقات لا يحيل الاختلاف ممّا يعرف به الميقات».