يجب أن يكون قادرا ، والقادر يجب أن يكون حيّا على سبيل الجملة ، ثمّ علم في بعض الذّوات صحّة الفعل ، فلا بدّ من أن يفعل اعتقادا ؛ لأنّ تلك الذّات قادرة ، ويكون الاعتقاد علما. وكذلك إذا علم في ذات معيّنة أنّها قادرة ، وقد تقدّمت الجملة الّتي ذكرناها ، فلا بدّ من أن يفعل اعتقادا لكونها حيّة ، ويكون هذا الاعتقاد علما. فلا فرق إذن في دخول التفصيل في الجملة بين الضروري والمكتسب ، وكما أنّ ما ذكرناه ممكن جائز ، فممكن أيضا أن يكون الله تعالى يفعل لنا العلم عند سماعنا الاخبار عن البلدان وما جرى مجراها بالعادة ، وليس في العقل دليل على قطع بأحد الأمرين ، فالشكّ في ذلك غير مخلّ بشيء من شروط التكليف.
[أدلّة من قطع على الضرورة والجواب عنها]
وقد تعلّق من قطع على الضرورة بوجوه :
أوّلها : أنّ العلم بمخبر هذه الأخبار لو كان مكتسبا لكان واقعا عن تأمّل حال المخبرين ، وبلوغهم إلى الحدّ الّذي لا يجوز أن يكذبوا وهو على ما هم عليه ، وهذا يوجب أن يكون من لم يستدلّ على ذلك ممّن ليس هو من أهل الاستدلال والنظر من العامّة والمقلّدين لا يعلمون البلدان والحوادث الكبار ، ومعلوم ضرورة الاشتراك في علم ذلك.
ومنها : أنّ حدّ العلم الضروريّ قائم في العلم بمخبر أخبار البلدان ؛ لأنّ الا نتمكن من إزالة ذلك عن نفوسنا ولا الشكّ فيه ، وهذا حدّ العلم الضروريّ.
ومنها : أنّ اعتقاد كون هذا العلم ضروريّا صارف قويّ عن النظر فيه والاستدلال عليه ، فكان يجب أن يكون كلّ من اعتقد أنّ هذا العلم ضروريّ غير عالم بالبلدان والأمصار ؛ لأنّ اعتقاده يصرفه عن النظر ، ومعلوم ضرورة خلاف ذلك.