وروي عن أنس (١) أنّه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : سيكون في هذه الأمّة أقوام يعملون بالمعاصي ويزعمون أنّها من الله ، فإذا رأيتموهم فكذّبوهم ثمّ كذّبوهم.
وما أشبه هذه الأخبار كثير ، ولو قصدنا إلى ذكرها لطال بها الكتاب وإنّما نذكر من الباب الذي ينبّه به على الحقّ.
الأدلة العقلية على تنزيه الله من خلق الشرور
وأمّا حجة القول على أنّ الله لم يفعل أفعال العباد ، وأنّ فعل الخلق غير فعل ربّ العالمين ، فهو أنّا وجدنا من أفعال العباد ما هو ظلم وعبث وفساد ، وفاعل الظلم ظالم ، وفاعل العبث عابث ، وفاعل الفساد مفسد ، فلمّا لم يجز أن يكون الله مفسدا علمنا أنّه لم يفعل الظلم ولا العبث ولا الفساد.
وأيضا ؛ فإنّ أفعالهم التي هي محكمة منها ما هو طاعة وخضوع وفاعل الطاعة مطيع ، وفاعل الخضوع خاضع ، فلمّا لم يجز أن يكون الله مطيعا ولا خاضعا علمنا أنّه لا يفعل الطاعة ولا الخضوع.
وأيضا ؛ فانّ الله لا يجوز أن يعذّب العباد على فعله ، ولا يعاقبهم على صنعه ، ولا يأمرهم بأن يفعلوا ما خلقه ، فلمّا عذّبهم على الكفر ، وعاقبهم على الظلم ، وأمرهم بأن يفعلوا الإيمان ، علمنا أنّ الكفر والظلم والإيمان ليست من فعل الله ولا من صنعه.
وممّا يبيّن ما قلنا : أنّه لا يجوز أن يعذّب العباد على طولهم وقصرهم وألوانهم وصورهم ؛ لأنّ هذه الامور فعله وخلقه فيهم ، فلو كان الكفر والفجور فعل الله لم يجز أن يعذّبهم على ذلك ولا ينهاهم عنه ولا يأمرهم بخلافه ، فلمّا
__________________
(١) أنس بن مالك بن النضر الانصارى الخزرجى النجارى ، خادم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان من المكثرين في الرواية ، وتوفى بالبصرة سنة ٩٣ ، وقيل في تاريخ وفاته غير ذلك (أسد الغابة : ٢ / ١٢٧).