ـ (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) [البقرة : ٣٤].
إعلم أنّه لا طريق من جهة العقل إلى القطع بفضل مكلّف على آخر ؛ لأنّ الفضل المراعى في هذا الباب هو زيادة استحقاق الثواب ، ولا سبيل إلى معرفة مقادير الثواب من ظواهر فعل الطاعات ؛ لأنّ الطاعتين قد تتساوى في ظاهر الأمر حالهما وإن زاد ثواب واحدة على الأخرى زيادة عظيمة.
وإذا لم يكن للعقل في ذلك مجال فالمرجع فيه إلى السمع ، فإن دلّ سمع مقطوع به من ذلك على شيء عوّل عليه ، وإلّا كان الواجب التوقّف عنه والشكّ فيه.
وليس في القرآن ولا في سمع مقطوع على صحّته ما يدلّ على فضل نبيّ على ملك ولا ملك على نبيّ ، وسنبّين أنّ آية واحدة ممّا يتعلّق به في تفضيل الأنبياء على الملائكة عليهمالسلام يمكن أن يستدلّ بها على ضرب من الترتيب نذكره.
والمعتمد في القطع على أنّ الأنبياء أفضل من الملائكة إجماع الشيعة الإمامية [على ذلك] ؛ لأنّهم لا يختلفون في هذا ، بل يزيدون عليه ويذهبون إلى أنّ الأئمة عليهمالسلام أفضل من الملائكة. وإجماعهم حجّة ؛ لأنّ المعصوم في جملتهم ، وقد بيّنا في مواضع من كتبنا كيفية الاستدلال بهذه الطريقة ورتّبناه وأجبنا عن كلّ سؤال يسأل عنه فيها ، وبيّنا كيف الطريق مع غيبة الإمام إلى العلم بمذاهبه وأقواله وشرحنا ذلك ، فلا معنى للتشاغل به هاهنا.
ويمكن أن يستدلّ على ذلك بأمره تعالى الملائكة بالسجود لأدم عليهالسلام وأنّه يقتضي تعظيمه عليهم وتقديمه وإكرامه. وإذا كان المفضول لا يجوز تعظيمه وتقديمه على الفاضل علمنا أنّ آدم عليهالسلام أفضل من الملائكة.
وكلّ من قال : ان آدم عليهالسلام أفضل من الملائكة ذهب إلى أنّ جميع الانبياء أفضل من جميع الملائكة ، ولا أحد من الأمّة فرق بين الأمرين.
فإن قيل : من أين أنّه أمرهم بالسجود له على وجه التعظيم والتقديم؟