[الحادي عشر] : فصل في تخصيص العموم بالقياس
اعلم أنّ هذا الفصل نظير الّذي تقدّمه ، والخلاف في تخصيص العموم بالقياس إنّما هو فرع من فروع القائلين بأنّ العبادة قد وردت بالقياس في الشريعة ، ومن دفع جواز القياس في شيء من الشريعة لا شغل له بهذا الفرع ، وإذا دللنا على أنّ العبادة لم ترد بالقياس في حكم من أحكام الشّريعة ، بطل القول بأنّه مخصّص بالإجماع ، على ما قلناه في أخبار الآحاد.
وقد اختلف مثبتوا القياس في هذه المسألة ، فذهب أبو عليّ الجبّائيّ وجماعة من الفقهاء إلى أنّه لا يخصّص العموم به ، وهو قول أبي هاشم الأوّل ، ومنهم من قال : يخصّ بالقياس الجلي ، دون القياس الخفيّ ، وهو مذهب كثير من أصحاب الشافعيّ ، ومنهم من قال : يخصّ به إذا دخله التخصيص ، ومنهم من جوّز تخصيصه بالقياس على كلّ حال ، وهو مذهب أكثر الفقهاء ، ومذهب أبي هاشم الأخير.
وقد ذكرنا طريقتنا في نفي التخصيص بأخبار الآحاد ، وهي الطريقة في نفي التخصيص بالقياس.
ويمكن ـ إذا سلّمنا أن العبادة قد وردت به في غير التخصيص ـ أن نسلك مثل الطريقة الّتي سلكناها في نفي تخصيصه بأخبار الآحاد ، فنقول : قد علمتم أنّ القياس ليس بحجّة في نفسه بدليل العقل ، وإنّما يثبت كونه حجّة بالسّمع ، فمن أين إذا كان في غير التخصيص حجّة أنّه كذلك في التخصيص.
وأمّا دعواهم أن الأمّة إنّما حجبت الأمّ بالأختين فما زاد بالقياس ، وذلك أبلغ من التّخصيص ، وأنّ العبد كالأمة في تنصيف الحدّ ، فباطلة ؛ لأنّا لا نسلّم ذلك ، ولا دليل على صحّته ، وإنّما المعوّل في ذلك على إجماع الأمّة ، دون القياس.
ومن منع من القياس من حيث أوجب الظّنّ ، والعموم طريقه العلم ، قد بيّنّا الكلام عليه في التّخصيص بأخبار الآحاد ، وقلنا : دليل العبادة بالقياس يقتضي