بمشيّة الله تعالى إذا انتهينا إلى الكلام في الأخبار على أنّ الله تعالى ما تعبّدنا بالعمل بأخبار الآحاد في الشّرع ، فبطل التّخصيص بها لما ذكرناه ، ولا شبهة في أنّ تخصيص العموم بأخبار الآحاد فرع على القول بالعمل بأخبار الآحاد.
على أنّا لو سلّمنا أن العمل بها لا على وجه التّخصيص واجب قد ورد الشّرع به ، لم يكن في ذلك دلالة على جواز التخصيص بها ؛ لأنّ إثبات العبادة بالعمل في موضع لا يقتضي تجاوزه إلى غيره ، ألا ترى أنّهم لم ينسخوا بها وإن علموا بها في غير النسخ ، وكذلك يجوز ثبوت العمل بها في غير التخصيص وإن لم يثبت التخصيص ، لاختلاف الموضعين ؛ لأنّ خبر الواحد ليس بحجّة من جهة العقل ، وإنّما كان حجّة عند من ذهب إلى ذلك بالشّرع ، فغير ممتنع الاختصاص في ذلك.
واعلم أن شبهة من أحال التّعبّد بالعمل بخبر الواحد في تخصيص أو غيره الّتي عليها المدار ومنها يتفرّع جميع الشبه أنّ العموم طريقه العلم ، فلا يجوز أن يخصّ بما طريق إثباته غالب الظّنّ ، والّذي يفسد أصل هذه الشبهة أنّ التعبّد إذا ورد بقبول خبر الواحد في تخصيص أو غيره ، فطريق هذه العبادة العلم ، دون الظّنّ ، فإنّما خصّصنا معلوما بمعلوم ، وأدلّة العقول شاهدة بذلك ، وسنشبع هذا في الكلام على نفي جواز العبادة بخبر الواحد عقلا عند الانتهاء إليه بعون الله.
وبعد ؛ فلا خلاف بين الفقهاء في جواز الرجوع إلى أخبار الآحاد في الاسم العامّ ، فما الّذي يمنع من الرجوع إليها في الحكم المعلّق بالاسم ، ألا ترى أنّا عند الاختلاف نثبت الأسماء بالرّجوع إلى أهل اللّغة ، فما الّذي يمنع من الرّجوع إلى الآحاد في تخصيص الأحكام.
وأمّا من جوّز التّخصيص بأخبار الآحاد بشرط دخول التخصيص قبل ذلك ، أو بشرط سلامة الحقيقة ، فشبهته في ذلك أنّ التخصيص يصيّر اللّفظ مجازا ، وقد بيّنّا أنّ الأمر بخلاف ذلك (١).
__________________
(١) الذريعة ، ١ : ٢٨٠.